بيروت: بعدما أسفرت انتخابات مجلس النواب (الرئيس ونائبه وأمين السر واللجان) عن ولادة الرقم السحري «65»، في أول اختبار لميزان القوى في البرلمان الجديد أظهر أن الأكثرية منحازة أو راجحة لمصلحة حزب الله وفريقه، ساد لدى خصوم الحزب ومعارضيه شعور بالخيبة والقلق.
وإذا كانت الخيبة متصلة بالانتخابات النيابية ونتائجها التي لم تكن في مستوى التوقعات، ولم تعكس الحجم الكبير الذي أعطي للانتخابات، والتعويل عليها كمحطة تغيير مفصلية، فإن القلق متصل بالانتخابات الرئاسية وإمكانية أن يمرر فيها الاستحقاق الرئاسي بالطريقة التي مرر فيها الاستحقاق النيابي ومن بعده الحكومي، فتكون النتيجة انتخاب رئيس جديد للجمهورية من فريق الأكثرية الجديدة البسيطة، أكثرية الـ65 صوتا، أي رئيس حليف لحزب الله ويكون امتدادا سياسيا للرئيس ميشال عون.
ولما كانت فرصة وصول جبران باسيل الى قصر بعبدا ضعيفة ومتدنية نظرا للتعقيدات الكثيرة الداخلية والخارجية المحيطة بوضعه، فإن فرصة وصول سليمان فرنجية الى قصر بعبدا متوافرة وإمكانية تحقيق ذلك موجودة إذا استمر الواقع النيابي على حاله، لجهة تشتت قوى المعارضة مقابل تماسك قوى السلطة.
وفي السيناريو المطروح والمتداول، إن حزب الله الذي أرسى مجددا قواعد لعبة برلمانية مريحة له ومتناغمة مع التوازن الجديد، اتجه في اهتماماته الى الاستحقاق الرئاسي متجاوزا ومتجاهلا الاستحقاق الحكومي، وحيث لا أهمية لحكومة عمرها قصير ويقاس بالأشهر والأسابيع، ولا حاجة الى حكومة جديدة، ويمكن الوصول الى محطة الرئاسة مع حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي.
وبالتالي، فإن أهمية الاستحقاق الحكومي تكاد تقتصر على تثبيت الأكثرية النسبية في البرلمان الجديد وعدم ظهور أكثرية بسيطة ثانية تأتي برئيس مكلف غير الرئيس ميقاتي وتكسر أكثرية الـ65.
يتصرف حزب الله منذ بداية هذا العام من خلفية أن عهد الرئيس ميشال عون انتهى عمليا، وأن الهدف أو الهاجس الأساسي يكمن في رئاسة الجمهورية والإعداد لمرحلة ما بعد عون.. وعندما جمع السيد حسن نصرالله باسيل وفرنجية في حارة حريك في أبريل الماضي، لم يكن هذا اللقاء معدا للانتخابات النيابية التي كانت أصبحت في حكم المنتهية بعد تشكيل اللوائح والتحالفات، وإنما كان اللقاء مفصلا على قياس الانتخابات الرئاسية التي تشهد تنافسا حادا بين الرجلين وتسابقا على اكتساب تأييد حزب الله.
وبعد هذا اللقاء الذي أدى الى كسر الجليد وهدنة بين التيارين، الوطني الحر و«المردة»، لوحظ أن سليمان فرنجية، ورغم خروجه خاسرا وضعيفا من الانتخابات النيابية، بدأ يتصرف من خلفية أنه مرشح أول الى رئاسة الجمهورية، وأنه «مشروع رئيس»، وأن الفرصة التي أفلتت من يده عام 2016 تسنح له من جديد، وأن اللقمة التي وصلت الى فمه وسحبت ستصل من جديد.
ووفق هذا السيناريو، فإن حزب الله يتعاطى مع الاستحقاق الرئاسي ومع مسألة المفاضلة بين باسيل وفرنجية، ليس من خلفية من هو الأفضل والأهم له، وإنما على أساس من لديه فرصة الوصول الى قصر بعبدا.
فإذا كان باسيل في القيمة والحسابات الاستراتيجية بالنسبة لحزب الله يتقدم بأشواط، فإن فرنجية في الحسابات التكتيكية هو المتقدم لأن وصوله أسهل ومضمون أكثر وكلفته أقل.. وهذا ما يمكن أن يتحقق في أول جلسة انتخاب لرئيس الجمهورية تحدد منتصف سبتمبر ويتوافر فيها نصاب الثلثين ويفوز بها فرنجية في دورة الاقتراع الثانية بأكثرية الـ65 صوتا وما فوق.
وبالتالي، سيكون هناك رئيس جديد ولن تكون هناك لعبة تعطيل وفراغ، إلا إذا ارتأى خصوم حزب الله أنه لا سبيل لوقف هذا المسار إلا بلعب ورقة تعطيل النصاب.
ولكن الحزب لا مشكلة لديه في التعاطي مع هذا الاحتمال واضعا الجميع أمام خيارين: الفراغ أو فرنجية، مع فارق أن لعبة الفراغ هذه المرة «معكوسة ولا يتحمل مسؤوليته».
مثل هذا السيناريو المطروح نظريا، تعترضه عقبات وصعوبات كثيرة، بدءا من العقبة السياسية المتمثلة بموقف باسيل، خصوصا أن فرنجية يعاني من حصار مسيحي وبحاجة ماسة الى باسيل الذي لديه شروط ومطالب بأثمان باهظة.
ولكن المسألة أو العقبة الأهم تكمن في أن خيار فرنجية يتعارض مع الأوضاع الإقليمية التي طرأ عليها تغيير كبير منذ حرب أوكرانيا، ومع المتغيرات الداخلية التي حملتها ثورة 17 تشرين وانتخابات 2022 النيابية.
وبالتالي، فإن فرنجية كمشروع رئاسي يعني عمليا إلغاء لمناخات ثورة 17 تشرين ولنتائج الانتخابات النيابية، وتكريسا لواقع قائم منذ سنوات وإعادة عقارب الساعة الى الوراء.
وهذا ما يفسر حالة القلق التي تسود، وحالة الرفض والتصدي المبكر والمعركة السياسية الاستباقية التي ستخاض في شأن الاستحقاق الرئاسي من قبل الفريق المناهض لحزب الله وتحت عنوانين: قطع الطريق على فرنجية، وعدم الوصول الى فراغ رئاسي.