هذا مثل جميل وصالح لكل زمان ومكان، فالمتيح في اللغة بميم مفتوحة وتاء ساكنة وياء مفتوحة وحاء مضمومة، هو الذي يتعرض لأمور لا دخل له فيها، هو ما يقال لها عندنا «الملقوف»، ومدور تعني باحث، والطلايب المنازعات.
والحق أن الأمثال كثيرة جدا وكلها من الواقع، وهي دروس نستفيد منها وعبرة لمن يعتبر، تحمل قصصا فيها الفائدة، وهذا المثل له قصة عجيبة جرت أحداثها منذ زمن طويل في عهد الدولة العثمانية، وربما قالوا بدلا من مدور «شراي» أو دوار وكلتاهما تعطي نفس المعنى.
وبومتيح هذا رجل يبحث عن المشاكل والنزاعات في كل مكان، بهدف تجيرها لجيبه، وهو رجل عربي تميز بالذكاء وطلاقة اللسان وثبات الحجة، ينتمي إلى إحدى القبائل العربية، ويعد بومتيح أول محام عشائري بلا شهادة قانون، ولم يسبقه أحد على الإطلاق، وقد نجح في مهمته نجاحا كبيرا واشتهر شهرة واسعة، ومن قصته أنه كان يشتري مديونيات الناس الذين عجزوا عن استردادها، فتكون ملكا له، بعد ان يدفع للدائن ما يرضيه وهو لا يساوي ربع الدين، ثم تصبح المديونية ملكا له بشهادة الشهود العدول، ثم يسعى سعيا حثيثا بالترغيب والترهيب لاسترداد المال حتى يستوفيه كاملا وهو أضعاف ما دفعه للناس، وظل يسير في هذا الطريق حتى أثرى ثراء فاحشا، وصار ذا جاه ومال ومكانة مرموقة إلا أن هذا الطريق غير ممهد ومحفوف بالمخاطر، ومن ذلك كسبه عداوة أبناء قبيلته والقبائل المجاورة، فلامه أهله وأقرباؤه لوما شديدا وطالبوه بالامتناع عن هذا العمل الذي اعتبروه مشينا، ونصحوه فاستمع الرجل للنصيحة وكف عن هذا العمل، فصارت حكاية بومتيح مضربا للأمثال وتوارثتها الأجيال جيلا بعد جيل.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فعندنا آلاف مؤلفة من عينة بومتيح، وليس في الكويت فحسب وإنما في شتى بقاع الأرض، وربما زادوا عليه، فما أن تثار مشكلة حتى ينبرى لها ابومتيح الكويتي ويتطوع لحلها دون أن يطلب منه أحد المساعدة، ولكن المسكين بدلا من أن يحل المشكلة ورط نفسه، ودخل في متاهات هو في غنى عنها، علما بأنه غير معني بهذه المشكلة ولا تخصه لا من قريب ولا من بعيد، وقد سقت لكم هذا المثل لأن كثيرا من الناس يبحثون عن «الطلايب» حتى إذا ما وقع الفأس بالرأس ووقعوا في شر أعمالهم وسوء تدبيرهم ندموا حين لا ينفع الندم.
والحقيقة أن الإنسان معرض للخطأ، فالخطأ وارد، ولكن المصيبة أن تكرر الخطأ الذي ارتكبته مرات عدة وكأنك تعاند نفسك وقد أوصانا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ألا نلدغ من جحر مرتين، فما بالنا نلدغ لمرات كثيرة ولا نرعوي؟
والأدهى من ذلك، أن تصحح خطأك بخطأ أكبر، ومثل هذه الفئة من الناس تحتاج إلى مصحات عقلية، فربما ثابوا إلى رشدهم، وضمير الإنسان هو الذي يوجهه وكذلك البيئة التي نشأ بها، فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر، والداخل فيما لا يعنيه حتما سيلقى ما لا يرضيه.. ودمتم سالمين.