تحلّ في هذه الأيام الذكرى الثانية عشرة لرحيل المرجع الديني المرحوم السيد محمد حسين فضل الله، ولمن لا يعرف السيد فضل الله فهو كان أحد رموز تجديد الفكر الإسلامي المعاصر، حيث امتاز وتميز في ثنائية رجل الدين التقليدي مضافا إليها الحالة الحداثية «الحركية» التي تريد أن يتحرك الفكر الديني في الواقع بطريقة حضارية علمية متجددة، يتمكن ويستطيع معها الفرد المتدين أن يعيش إبداعه الفردي بما ينهض بالمجتمع ككل دون أن يعيش الانعزالية أو غربة الفتوى عن الواقع، وهذا الخط الحركي للمرحوم السيد فضل الله نراه منشورا في إنتاجه الثقافي الموسوعي ومن أشهرها موسوعة الندوة التي تشتمل على أكثر من عشرين مجلدا ضخما من محاضرات وأسئلة واستفسارات عامة الناس، وأيضا تفسيره الموسوعي للقرآن الكريم.
إن السيد محمد حسين فضل الله وهو المواطن العربي اللبناني الذي عاش ودرس وترعرع في النجف الأشرف في بيئة كلاسيكية خاصة برجال الدين، انطلق من هذه الخصوصية ليعود إلى بلده لبنان ليعيش مع الناس الفكر الإسلامي الحداثي في الخط الحركي التطبيقي إذا صح التعبير، وعاش مع معاناة الناس لكي يحل مشاكلهم ويخفف متاعبهم الحياتية، وهنا نشاهد تأسيسه للعديد من المدارس والمراكز الصحية الطبية ودور رعاية الأيتام والمؤسسات الخاصة بالمعاقين والصم والبكم، وتقديم الإعانات المعيشية للمئات من الفقراء والمحتاجين، وهذا ضمن شبكة مؤسسات تعتمد على التنظيم الدقيق وحركة المال الشرعي، بما يخدم ويفيد الناس ويرفع عنهم الحرمان والفقر.
وكمتخصص في الدين كان السيد فضل الله يعيش الفتوى الشرعية اجتهادا حقيقيا يشرح فيها لمن يسأل أساس الفتوى وهدفها ومنطقها وإيجابياتها في الواقع، وهذا أسلوب جديد أصبح معه المتلقي وطالب الفتوى يعيش أجواء استماع وفهم ودراية بعيدا عن التلقين والحفظ والتكرار، مما أعطى للفتوى الشرعية حيوية الحياة بين الناس.
إن السيد محمد حسين فضل الله عاش تجربة غنية كذلك في مسائل التقريب المذهبي ونشر الأخوة الإسلامية بين المسلمين من الباب الثقافي الحقيقي وليس المجاملات الدعائية إذا صح التعبير، ومن هنا أعلن بوضوح تحريم سب الصحابة وتحريم شتم أمهات المؤمنين، ناهيك عن تفعيله لنظريته الحوارية المستندة إلى آيات الذكر الحكيم في لقاءاته الإعلامية المكثفة لنشر الثقافة الإسلامية الأصيلة التي تبدأ بما هو مشترك وما يوحد، وابتعاده عن الإثارات العاطفية أو خطابات الكراهية الاستفزازية، مما أكسبه حب الناس من مختلف الطوائف وعبوره حاجز الحساسيات المذهبية الوراثية.
رحم الله السيد محمد حسين فضل الله في ذكراه المتجددة، وهو رحل كـ «جسد» ولكنه باقٍ كـ «فكر إسلامي أصيل» وكـ «مؤسسات اجتماعية تربوية صحية» وكـ «تاريخ» و«تجربة إنسان» أراد أن يتطور مجتمعه العربي الإسلامي إلى الأفضل، وهو ما حققه بنجاح.