من أهم واجبات العملية التعليمية زراعة فكرة حب العلم والمعرفة في الطالب، فالطالب حتى لو تربى في أفضل مدرسة من غير هذه الفكرة، لن يستفيد شيئا من المعلومات المخزّنة لديه، والنظام التعليمي الحالي غالباً لا يبذل أي سبب لزراعة فكرة حب العلم، ويحدث أن تجتهد مع طفل مدى الحياة، في تعليمه وتربيته وأحيانا لا تفلح، بينما تستطيع أن تغرس فيه فضيلة حب العلم، وتتركه يسعى بنفسه.. طرقنا التعليمية الحالية المعتمدة على التلقين لا تغرس في الطفل هذه الفكرة، بل أحياناً بسبب قلة خبرة المعلم وتخبط المناهج تنغرس فيه فكرة كره العلم والمتعلمين، وهذا ملاحظ، لا شك أن العقل موجود لإنتاج الأفكار وليس لحفظها، فهذه مهمة الدفاتر. ونظامنا التعليمي يهتم بتحفيظ الأفكار وليس إنتاجها، وكنتيجة حتمية لذلك، نجد أجيالا تحفظ الأشياء الحميدة ولا تطبقها.
تلقين المعلومات هو الطريقة المعتمدة في نظام التعليم لدينا، بينما المهمة الأساسية للتعليم هي زرع الأفكار الإيجابية، حب الآخر، تقبل الآراء المخالفة، الأفكار التطورية، نبذ الخلافات الاجتماعية، الاعتراف بالأخطاء وغيرها من الأفكار تكاد تكون معدومة، أو يتطرق لها كمعلومات دون زرعها، وعندما يفقد الإنسان القيمة الفكرية، يحاول أن يعوض هذا النقص بالقيمة المادية، فأصبح شائعا لدينا تقييم الإنسان حسب مظهره، وليست أفكاره ومعلوماته، فأصبح لدينا مجتمع المهم لديه الشكليات، أما الجوهريات فأصبحت تحصيل حاصل إلا ما ندر.
من ناحية أخرى، التعريف البسيط للإبداع هو التفكير بشكل مغاير للسائد، فهل مجتمعاتنا تعطي مساحة للتفكير بشكل مغاير؟، وهو الذي ابتدع الكثير من الأعراف التي لا تسمح لمنتسبيه بالاختلاف، وتحويل كل اختلاف إلى خلاف، ويتعرض المفكر بشكل مختلف في الغالب للنبذ والتنمر، والأمثلة من الحاضر والماضي كثيرة، فلا يخفى على أحد أن نسبة كبيرة من علماء الحضارة العربية تعرضوا للاتهام بالجنون والاضطهاد والقتل أحيانا كثيرة، خصوصا «العباقرة» منهم الذين نفخر بهم حاليا كابن رشد، الرازي، ابن سينا، المعري، الكندي، وحتى عباس بن فرناس.
مما سبق، واضح أننا نضع الحواجز بيننا وبين العلم، النظام التعليمي قائم على التلقين، والمجتمع لا يرحب بالاختلاف، فالشخص الذي تكون كل سبل تطوير نفسه متاحة أمامه ولا يتطور، في الغالب يلقي اللوم عليه، والمجتمعات كذلك، سهل جدا أن نلقي باللوم على الظروف أو نتفنن بابتداع نظريات المؤامرة، لكن من الصعب أن نعترف بأننا السبب، ولكن هذا الاعتراف على صعوبته، سيكون أولى خطوات التطور.
[email protected]