لو كانت هناك بيئة ترى أن الغش من أعلى مراتب الفضيل، فمن الطبيعي أن يتنافس الناس في الغش وسيكون أفضل غشاش هو أكثر الناس مقاما وتقديرا، اهتمام البيئة بشيء معين يجعل أفرادها يتنافسون على هذا الشيء، فلما كان العرب يتنافسون بالشعر ظهرت المعلقات، وتنافسهم بالكرم جعلهم أكرم شعوب الأرض.
نجد المجتمع الياباني يقيم عدة بطولات للروبوتات لكل الأعمار والفئات لذلك تطورت صناعة الروبوت، للأسف لا يوجد توجيه لهذه التنافسات في مجتمعاتنا، ونتيجة لعدم وجود مثل هذه المنافسات نجد أن بالفترة الأخيرة وبشكل ملحوظ، اتجه المجتمع للتنافس على المسميات، ولهذا التنافس نجد أن الأغلب يسعى للمناصب ليس لتطوير العمل بل للحصول على مسمى، لكي يتفاخر به، ومن لم يستطع الحصول على منصب أصبح يسعى للحصول على مسمى أكاديمي، فيدرس ليس حبا بالعلم، بل حبا بمسمى دكتور وهذا سبب كمية الشهادات الوهمية في المجتمع، وأفضل المتفاخرين من يجمع بين الاثنين (المنصب والمسمى الأكاديمي)، حتى لو بالتزوير، ولهذا السبب نرى مظاهر المثقفين من غير ثقافة، ومظاهر العلماء من غير علم، ومظاهر المتدينين من غير تدين، ومظاهر المفكرين من غير فكر، ومظاهر المسؤولين من غير مسؤولية، انعكس ذلك حتى أصبحنا نرى مظاهر الحياة من غير معنى للحياة، انتشرت الشهادات الوهمية والمناصب الوهمية والنجاحات الوهمية ونسب الثانوية المرتفعة الوهمية وحتى نقلنا وهمنا للمجال التكنولوجي، وأصبحت لدينا حسابات وهمية، وحتى الخلافات التي تكون بين مشاهير التواصل الاجتماعي أغلبها وهمية، بهدف لفت أنظار المتابعين وزيادة عددهم.
وبما أن أسهل حياة للإنسان أن يكون نسخة فكرية من مجتمعه فيفكر مثلما يفكرون ويعيش بالطريقة التي يعيشون ويحافظ على بقاء جيناته عن طريق أولاده مثلما يفعلون، فالأجيال القادمة ما لم نصنع لها مجالا للتنافس الشريف، ستعيد الحياة الوهمية التي عاش فيها وترعرع، ويصبح بمجرد التفكير بالخروج عن هذا الإطار الاجتماعي تبدأ المشاكل فإما أن يرضخ للمجتمع وإما أن يوصل رسالته.
ويصبح شمعة تذبل في طريق غيره.
المجتمعات الواعية تقوم بعمل الدراسات لتحديد نوع التنافس الذي ترغب أن يتنافس أفرادها فيه، وتعمل مسابقات وجوائز قيمة لهذا التنافس، ويكون التقييم فيه قائم على أسس مهنية علمية، وليس على حسب نفوذ المتسابق وعلاقاته، وكذلك تنشأ الهيئات والجمعيات لهذا المجال، فيصبح للمهتم مكان يلجأ إليه ليتقوى ويستفسر عن مجاله، والقصد من المقال هو يجب أن نصنع كمجتمع وكحكومة بيئات تنافسية مفيدة عوضا عن بيئة التنافس الوهمي.
[email protected]