بالعودة إلى ما ذكر في المقال السابق وبصورة أكثر وضوحا وشمولا، يظهر الدور المهم للإعلام في توجيه الوعي الوطني، ولكن الأهم من ذلك يكمن في الإجابة عن التساؤلات التالية: دور الإعلام في توجيه الوعي الوطني هل يتوقف على القائم بالاتصال في وسائل الإعلام التقليدية أم لابد أن يشمل وسائل الإعلام الجديد؟ وهل الوعي الإعلامي يقتصر على القائم بالاتصال أم لابد أن يشمل المتلقين في المرحلة المقبلة؟ كيف يمكن التعامل الحذر مع وسائل الإعلام الجديد بشكل أعمق وأشمل مما كان عليه في التعامل السابق مع الإعلام التقليدي المملوك للدولة أو المؤسسات الإعلامية التي تستطيع الدولة السيطرة عليه؟
إن محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة تفتح المجال أمام العديد من الدراسات والبحث العلمي والنقاش الأكاديمي والمهني، وهو ما يحتاج إلى تضافر جهود المؤسسات الأكاديمية والبحثية في القطاعين العام والخاص، وهذا بدوره يحتاج في البداية إلى تحديد الأهداف من تكوين وعي جماهيري يهدف إلى معاينة الحقائق ومساندة القضايا المهمة والمهمة في الدولة، بعيدا عن عمليات التوجيه والتعبئة المباشرة، التي لم نسمع أو نرى منها سوى الجعجعة دون أن نجد طحنا أو نجني منها ثمرا، ومن وجه نظري كمتخصص في مجال الإعلام أرى أنه لابد لنا من الاتفاق على مجموعة من الحقائق، وتتلخص في التالي:
1 - إن من حق أي دولة حماية نفسها من خطر المعلومات المغلوطة والافتراءات التي لها انعكاسات خطيرة على مستقبل الدولة وأمنها القومي، ومن شبكات الإعلام والاتصال التي لا تحترم القوانين ولا تتبع المعايير الإعلامية.
2 - إن الأمن القومي لم يعد قاصرا على البعد العسكري التقليدي، ولكنه اتسع ليضم عدة أبعاد أخرى، باعتبارها تهديدات غير مباشرة، يمكنها أن تؤدي إلى الخلل في بنية المجتمع والدولة معا: مثل الاستخدام غير المسؤول لوسائل الإعلام.
3 - إن للإعلام الأمني دورا بالغ الأهمية في المجتمع، وهو ركيزة أساسية لدعم وتنمية الحس الأمني والوقائي لدى الأفراد، إضافة لكونه وسيلة لتوسيع الآفاق المعرفية، وهو ما يجعل الأمن مسؤولية تضامنية يسعى الإعلام إلى تحقيقه.
4 - إن للإعلام أدوارا متنوعة ومهام عليه أن يؤديها، وهي تشكل الرسالة الإعلامية، ورغم اختلاف التوجهات بين وسائل الإعلام لابد من التوافق فيما بينها على أهمية الالتزام بالدور الوطني المتمثل في خدمة الوطن والسعي لترسيخ مبادئ الولاء والانتماء بجوانبه المختلفة لدى الأفراد.
5 - إن الإعلام لم يعد مجرد وسيلة لنقل المعلومات والأفكار، بل تحول ليسهم في تكوين شخصية الفرد وتوجهاته واهتماماته في الجوانب الحياة المختلفة: السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، كما أصبح يسهم في إعادة التشكيل الثقافي ووعي الأفراد من خلال الأوعية الإعلامية المتنوعة والتقنيات المتطورة، التي فرضت سطوتها وأثبتت قدرتها على التأثير، لاسيما في الجوانب الفكرية.
وفي النهاية: يتصدر حب الأوطان والإخلاص له قائمة الأولويات الوطنية، وهذا يضع الإعلام أمام مسؤولية تحتاج إلى جهود مضاعفة وخطط ودراسات، في زمن آلة الإعلام الجديد القوية ووسائله وسطوته وتأثيره وانتشاره الذي خالط الأسر وانفرد بالأشخاص فقتل فراغهم وفرض نفسه عليهم، مستمدا قوته من استجابة الأفراد السريعة والإنصات له بانتباه، وهو الأمر الذي جعل الحاجة ماسة لحشد الجهود الإعلامية وتضافرها وتوظيفها في المحافظة على قيم الأمة ومقدراتها والإبقاء على تماسكها وتعزيز انتمائها ورفع مستوى الوعي والأمن الوطني والقومي.