عندما نتحدث عن تاريخنا العسكري فإننا نتحدث عن رجال ضربوا أروع الأمثلة في مواجهة التحديات وعواصف المتغيرات، فظهرت بدائعهم وتألقت نظرياتهم فحققوا لنا إنجازات باهرة وعطايا وافرة وجعلوا نظم الأمور في دائرة الضبط والسيطرة، ومن هؤلاء الرجال سعادة رئيس الأركان العامة للجيش الأسبق الفريق/ مبارك العبدالله الجابر الصباح، رحمه الله تعالى، أول رئيس أركان للجيش، والذي يشكل قيمة وقامة في هذا الصرح المميز ويعتبر من جهابذة الفكر الإستراتيجي العسكري وعمالقته.
تخرج «الفريق مبارك» من كلية ساند هيرست العسكرية الملكية في بريطانيا عام 1954 فعين نائبا لقائد الجيش والقوات المسلحة، وبعد الاستقلال عام 1963 تم تعيينه رئيسا للأركان العامة.
يعتبر «الفريق مبارك» قائدا عسكريا فذا واستراتيجيا بارعا وإداريا متميزا حقق نجاحات في كافة المجالات، حيث اتسم بصفات قيادية فكان واثقا من نفسه، مؤمنا برسالته، ذا شخصية مؤثرة منبثقة من قلب يتمتع بعزيمة وإيمان، وصبر وإصرار، قادر على تحمل المشاق، فمكنته هذه السمات من الوصول إلى هذه المكانة الكبيرة.
كانت حياته مليئة بالأحداث ابتداء من أزمة عبدالكريم قاسم عام 1961 إلى أزمة الصامتة عام 1973 مع العراق، فكان ذا قدرة فائقة في دراسة الأرض التعبوية واتخذ من المواقع الإستراتيجية أرضا للقتال، فحشد القوة في الوقت والمكان المناسبين، حيث طبق مبدأ المحافظة على القصد، مصمما على تحقيق الهدف، وأما الحروب العربية ـ الإسرائيلية فاتسم بالسرعة والمرونة في تنفيذ المهام بإرسال ثلثي الجيش الكويتي للمشاركة مع الجيوش العربية في القتال على جبهتين في عام النكسة 1967 وأكتوبر عام 1973 والتي انتهت بتحقيق العرب أول نصر لهم في مواجهتهم الطويلة مع إسرائيل.
تمثل فكره الإستراتيجي بالانطلاق نحو تحقيق الأهداف، وفق خطة مرسومة تتلاءم مع تطلعاته للمستقبل، فأنشأ جيشا نظاميا شديد الانضباط وحديث التدريب مجهزا بكافة الأعتدة والمزج بين صنوفه، وعمل على تشكيل أول قوة للاحتياط وهو (التجنيد)، واهتم ببناء القادة وتأهيلهم فأسس المدارس العسكرية لكافة صنوف الجيش، وأرسل البعثات العسكرية بدورات خارجية، واستعان بالبعثات التدريبية الخارجية من الدول الشقيقة والصديقة التي نشرت روح التنوير في القوات المسلحة، كما ساهم فكره الإستراتيجي على أهمية الربط الوثيق في التعاون والتنسيق بين القيادتين العسكرية والسياسية، وعلى أهمية استراتيجية التعاون العسكري مع الدول الشقيقة والصديقة في تحقيق الأهداف، وكما رسخ مفاهيم إستراتيجية العمليات والتي تتعلق بمعركة الأسلحة المشتركة، وبذلك استحق «الفريق مبارك» أن ينظر إليه كإستراتيجي بارع تترجم أفكاره إلى واقع، فأقام جيشا وجعله مثالا يحتذى.
وفي عام 1980 ترجل هذا القائد المحنك والإداري المنظم صاحب البصمة الخالدة الذي جمع بين الحذاقة الديبلوماسية الفائقة والعبقرية العسكرية الرائعة التي رفعته إلى مصاف القادة العسكريين المحترفين، محققا في ذلك أثرا عظيما وخيرا جسيما لقواتنا المسلحة، فأتقن عمله وتحقق أمله.. ودمتم ودام الوطن.
[email protected]