من بين استراتيجيات الخروج من مآزق عدم فهم كثير من الأفكار والأسئلة أن يتم إمعان النظر في النصوص، الى حين العثور على الحل في ثنايا هذا التفكير، وذلك بإمعان النظر في السؤال وإعادة تكرار ذلك، حتى تجد أن إيحاء بالحل قد وقع في نفسك وكأنها حاسة سادسة عجيبة!وهذا أقرب الى ما يعرف بـ guess word through context، أي تخمين معنى الكلمة من خلال السياق الذي وردت فيه، فالكلمة حين تراها وحدها تكون أقرب الى طلاسم لا تعرف معناها، لكنك إذا قرأت ما حولها في الفقرة عدة مرات فستصل الى مرحلة تقتنع فيها بأن هذا أو ذاك هو معنى هذه الكلمة التي كانت غامضة حتى لحظات قليلة!وبعبارة أخرى، تستخدم هذه الاستراتيجية لمعرفة معنى كلمة جديدة من خلال علاقتها ببعض القرائن المتوافرة في السياق، والتي قد تكون: تعريفات أو إعادة صياغة لمعنى الكلمة، أو مرادفات، أو أضداد، أو أمثلة وتفسيرات، مألوفة للطلاب لأنه تم تدريسها في السنوات الأولى من المدرسة، مما يساعدهم على تحديد معنى الكلمة بسهولة.
ويرى المختصون أن هذه الاستراتيجية توفر مزايا عديدة للطلاب، حيث تسهم في زيادة مفرداتهم، وتساعدهم ليس فقط على اشتقاق معنى الكلمة ولكن أيضا على معرفة كيفية استخدام هذه الكلمات في سياقات أخرى، مما يجعل الطلاب على دراية بحقيقة أن السياق يحدد معنى الكلمات، إضافة الى تمكين الطلاب من التعامل مع مشاكل المفردات بشكل مستقل وجعلهم أكثر ثقة أثناء التعامل مع النصوص، وتوفير مساعدة قوية لهم لفهم وتسريع قراءتهم، بتضمنها لمهارات تفسير النص، والتنبؤ والتحقق من التنبؤ أثناء القراءة، وتحل محل استخدام القاموس الذي له عيوب مقاطعة تدفق القراءة.
وفي ذات السياق، تذكر القراءات الأربع للنص التي تناولها بعمق المفكر د. حامد ربيع ضمن منهجيات تحليل المضمون والخطابات والنصوص، حينما تناول مستويات الفهم والتعامل مع النص بداية مما يدل عليه النص بشكل مباشر وحتى ما أوحى به النص دون أي دلالة مباشرة.
وتنطبق هذه الاستراتيجية، والتي ليست جيدة فحسب في تعليم اللغة الإنجليزية وعموم اللغات، على أسئلة في مجالات عديدة، وأذكر هنا في اختبار دروس القيادة في إحدى الولايات الأميركية أنه كانت هناك خمسة أسئلة لم اعرف ما المقصود بها على الإطلاق للوهلة الأولى، وعندما قرأتها للمرة الثانية فهمت 10% تقريبا، وعندما قرأت للمرة الثالثة فهمت 30%، وفي المرة الرابعة فهمت 40%، وهكذا مع تكرار القراءة ارتفعت النسبة حتى وصلت الى قناعة 80% بما هو المقصود، وبناء على ذلك اخترت إجابة السؤال الصحيح، وكان أي خطأ في إجابة أي من هذه الأسئلة الخمسة، التي تركتها الى النهاية، يودي بصاحبه الى الخروج كليا من الاختبار وإغلاق النتيجة بالرسوب.
هذه الاستراتيجية وإن كانت تنطبق على الاختبارات التقليدية، الأكاديمية والعملية، لكنها كذلك تنطبق على كل الاختبارات الحياتية أيا كانت طبيعتها، إذ إننا في الواقع نحتاج في كثير من شؤون حياتنا الى هذه الإعادة، وأن نتجنب التسرع، وإذا كنا لا نعرف ألا نجد حرجا في قول ذلك بوضوح وصراحة، وأن نبذل ما في وسعنا لمحاولة فهم ما نمر به من مواقف، باعتماد التأني وإعادة النظر والفهم الكلي لسياق الأمور دون أخذ جزئية بعينها، وعادة ما يقال في التحليل والبحث العلمي بأنه لا يمكن فهم تأثير عامل معين على نتائج التحليل بمعزل عن فهم تأثير العوامل الأخرى، وهذه مرحلة تتبعها أخرى، حين يقودنا فهم الصورة الكاملة بدوره الى طور آخر متقدم من الفهم وطريقة التعامل!
[email protected]