الموت حق، وأمر لا بد منه، شئنا ذلك أم أبينا، والأيام هادمة للأعمار، تسير بنا سراعا إلى آجالنا، وحي هلا بمن غادر الدنيا وترك أثرا طيبا وذكرى جميلة، يتذكره من خلالها الناس ويترحمون عليه، ولقد فارقنا بالأمس القريب عزيز كان بيننا نراه ويرانا ونزوره ويزورنا، ونسعد به ويسعد بنا، إنه المغفور له بإذن الله تعالى ابن عمي وأخي، نوفل عبدالكريم المزعل السعيد، رحمه الله، جمعتني به أواصر الدم وأواشج القربى، والرفقة الطويلة، والمحبة المتبادلة، فلم يكن في يوم من الأيام ابن عمي فحسب، وإنما كان أخي ورفيقي، يؤلمه ما يؤلمني ويسره ما يسرني، تجمعنا المحبة الصادقة ويفرقنا وعد اللقاء، ولكن لا وعد بعد اليوم، حل القضاء وجاء الوعد الحق وظعن بعيدا عني، نعم رحل إلى العالم الآخر، ولقد فارقنا ونحن بأمس الحاجة إليه، ولعله يجد بحول الله أهلا خيرا من أهله وأقارب خيرا من أقاربه وأصحابا خيرا من أصحابه، لقد غادرنا بكل هدوء وكأنه لا يريد أن نتضايق، ولكن مع بالغ الأسى والأسف دون وداع، وهذا أمر الله تعالى الذي لا راد له ولا مانع:
مشيناها خطى كُتبت علينا
ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن كانت منيتُه بأرض
فليس يموت في أرض سواها
نوفل، رحمه الله، كاسمه بحر كريم معطاء أمين صادق يخاف الله بالصغيرة قبل الكبيرة، نوفل جميل السجايا نقي السريرة، باطنه كظاهره، يحب لغيره ما يحب لنفسه، ويكره لغيره ما يكرهه لنفسه، ذو قلب كبير، متسامح مع نفسه ومع الناس، عاش مؤمنا تقيا نقيا شريفا أبيا ومات مأسوفا عليه، والحقيقة أن الحياة بعد الأحبة لا طعم لها، وقد أصبحت بعدهم ليست بذات أهمية، لقد أصبحت الحياة أياما نمضيها مملة رتيبة ثم نظعن على أثر الظاعنين، لأن فراقهم أبقى في قلوبنا جراحا لا تندمل وألما لا يزول وحزنا لا يتزحزح، وإن ذكراهم لتزيد معاناتنا، وتشعرنا بالأسى والحسرة، فبالأمس القريب فارقني ابن أخي رياض، وها هو ابن عمي نوفل يفارقني ولا أدري ما يخبئه القدر لنا، فارقنا نوفل على حين غرة، وما أن علمت بهذا النبأ المحزن حتى خيل لي أنني وطئت جمرة على غفلة، سنين طويلة جمعتني بنوفل لم يشبها الكدر يوما واحدا، ولم يتغير علي، يبتسم إذا رآني وأبتسم إذا رأيته، مودة ما بعدها مودة، وكأن بيننا عهدا ووعدا قطعناه على أنفسنا ألا يعكر صفو علاقتنا المميزة شيء:
أرى الموت فيما يبتغيه كأنما
مداولة الأيام فيه مبارد
فمن لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب والموت واحد
لا شك أن كل خليل مفارق خليله، فنحن نسير سراعا إلى آجالنا، فرحمك الله يا نوفل وغفر لك وستبقى في قلوبنا.