من سنن الله تعالى في هذه الحياة أنه إذا بلغ الشيء كماله بدأ بالنقص، وإذا بلغ الأمر منتهاه آذن بزواله، فما من سراء إلا وتلتها ضراء، فلكل ارتفاع ضعة، والإنسان مخلوق من ضعف، نعم خلق الإنسان ناقصا في هذه الدنيا، فالكمال لله وحده الحي الذي لا يموت، فلا تبحث عن إنسان كامل لأنك لن تجده، فالعمر ينقص والصحة تنقص وهذا حال الدنيا، فأنا أريد وأنت تريد والله يفعل ما يريد، ولنعش بالمحبة والمودة، لأن النقصان بعد التمام والضعف بعد القوة أمر لابد منه، ومن الكمال أن تدرك نقصك ومن النقص أن تظن أنك كامل، ومن بلغ غاية ما يحب فليتوقع غاية ما يكره، يقول المولى عز وجل: «فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون» (الأنعام 44).
يقول أحد الأعراب:
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت
ولم تخف غب ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
فالدنيا لا يدوم فيها فرح ولا ترح، فما هو حال من يفنى ببقائه ويسقم بسلامته ويؤتى من مأمنه، وقد نسب إلى أبي بكر الخوارزمي أبيات منها:
إذا تم أمر بدا نقصه
توقع زوالا إذا قيل تم
فكن موسرا أو تكن معسرا
فما تقطع الدهر إلا بهم
حلاوة دنياك مسمومة
فما تأكل الشهد إلا بسم
فلا تبتئس على ما فاتك فما قدر الله كائن، واعلم أن كل ما يمر بك مكتوب باللوح المحفوظ ولن تستطيع مهما فعلت تغييره، فمشيئة الله هي الغالبة، ودليلك على ذلك مراحل عمرك ضعف ثم قوة ثم ضعف:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
فلا يغتر الإنسان بما ناله من كمال ورفعة، وإنما يشكر الله ويحمده حتى لا تزول عنه هذه النعم، أحصي جند بني أمية فكانوا يزيدون على خمسمائة ألف ووصلت جيوشهم إلى أقصى بقاع الأرض ثم زال ملكهم كأن شيئا لم يكن، فسئل أحد شيوخهم عن سبب ذلك فقال: شغلنا بلذاتنا عن تفقد رعيتنا فظلمناهم ويئسوا من إنصافنا، فزالت طاعتهم لنا واستدعاهم أعادينا فتظافروا معهم على حربنا فعجزنا عن الدفاع عن ملكنا.
من هنا أقول توقع ما لا يتوقع، وكن على ثقة أنك بين عيني الله تعالى والله بالغ أمره، فارض بما قسمه الله لك تعش سعيدا مرتاح البال. ودمتم سالمين.