من المعروف أن الأوقاف هي أصول يخصصها مانحوها بالتبرع أو الوصية لتتم إدارتها لأغراض خيرية عامة أو خاصة مفيدة للمجتمع، وهي تعد بين مصادر الدخل المهمة للعديد من الكليات والجامعات الأميركية، وتستخدمها هذه المؤسسات في العادة لدعم مهامها التعليمية والخدمة العامة وإجراء البحوث والإنشاء والصيانة ومعالجة المشكلات التي تؤثر على المجتمع والأمة، كما تعتبر الأوقاف الجامعية أيضا مصدرا مهما لتقديم العون المالي للطلاب مما يسهل لهم الوصول الى التعليم الجامعي وبتكلفة معقولة، وهناك تباين واسع في حجم الأوقاف وقيمتها بين المؤسسات التعليمية المختلفة، وعلى حين أن قيمتها قد تكون بالملايين في بعضها، فإنها قد تصل الى المليارات في أخرى.
ووفقا لمسح سنوي تجريه صحيفة U.S. News، فإنه مع نهاية السنة المالية 2021، تصدرت هارفارد الجامعات الأميركية بأوقاف بلغت قيمتها نحو 53 مليار دولار، تلتها جامعة ييل بأوقاف بلغت قيمتها 42 مليار دولار، ثم برنستون وستانفورد بأوقاف بلغت قيمتها 37 مليار دولار لكل منهما، وفي تقديرات أحدث فقد تجاوزت أوقاف جامعة برنستون 40 مليار دولار، وهو حديث مألوف هنا ومناط فخر واعتزاز لدى مجتمع الجامعة، ولذا سأذكر هنا ملامح وأرقاما بهذه التجربة والتي هي:
تتكون أوقاف برنستون من أكثر من 4700 صندوق منفصل، بقيمة مالية تعادل 4.5 ملايين دولار لكل طالب وهي أعلى نسبة في جامعات العالم وليس فقط الولايات المتحدة!، وفي السنة المالية 2020-2021 بلغت الميزانية التشغيلية للجامعة 2.3 مليار دولار، شكلت حصة أرباح الأوقاف منها 1.4 مليار دولار أي بنسبة 60%، في مقابل 40% لمصادر تمويل الميزانية الأخرى: المنح البحثية الحكومية، والهبات والتمويل الخاص، والأقساط الدراسية والرسوم، بما يدل على زيادة حصة أرباح الأوقاف من مجمل الميزانية والتي لم تتجاوز 30% في عام 1997.
ساعدت أرباح الأوقاف برنستون على توفير هيئة تدريس ممتازة، وبناء واستدامة المكتبات والمختبرات والبنية التحتية التكنولوجية والموارد الأخرى التي يحتاج إليها أعضاء هيئة التدريس والطلاب لأداء عملهم، كما مولت المنح الدراسية والزمالات وغيرها من أشكال المساعدة المالية التي جعلت برنستون في متناول الطلاب من جميع الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، وسمحت للجامعة بإطلاق جهود بحثية وبرامج نوعية مع ظهور مجالات معرفية جديدة مهمة في السنوات الأخيرة، مثل علم الجينوم وعلم الأعصاب والهندسة الحيوية والتعلم الآلي ومشروع البارمتير العربي والذي تشرفت بالعمل عليه من عدة سنوات وغيرها.
وفي الوقت الذي تحرص فيه الجامعة على إدارة أوقافها بحيث يتسنى لها تقديم أقصى الدعم الممكن للجيل الحالي من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، فإنها لا تغفل المستقبل، وتضع في عينيها تحقيق المساواة بين الأجيال في هذا الهدف، باستدامة أرباح الأوقاف وتناميها في المستقبل وصولا إلى الوضع الذي يمكنها من العمل دون أي دعم مالي خارجي!
[email protected]