نجحت دولة قطر في تحويل التجمع العالمي الرياضي على أراضيها إلى رسائل إسلامية وإنسانية عابرة للقارات الخمس، في مبادرة فريدة على مدى تاريخ المونديال، فعروض الافتتاح المبهرة لم تخل من رسائل توضح البعد الحضاري الإسلامي، فلم تطغ أصوات عشرات الآلاف من الجماهير المشجعة على صوت المآذن في الملعب وهي تصدح بالتكبير والشهادتين والدعوة إلى الصلاح والفلاح بإقامة الصلاة فهي خير العمل، ليوقف اللعب وتقام صلاة الجماعة وسط الملعب! وهذا من شأنه أن يخفف من غلواء الحماس الزائد والذي حولها إلى ما يشبه الحروب بين الدول! علاوة على الحد من المحرمات، كمنع وجود حانات الخمور حول الملاعب - على الأقل - وحظر إظهار إشارات ترويج الشذوذ وأعلامها الملونة، سواء كانت عند جمهور المدرجات أو على قمصان اللاعبين، أو حتى على الطائرات المقلة لهم.
وذرف الناس دموع التفاؤل وعدم اليأس من عوائق الحياة في مشهد مؤثر عندما التقى نظيران في الإنسانية، الشاب القطري الفذ غانم المفتاح، والنجم السينمائي العالمي مورغان فريمان وهما يتحديان الإعاقة الجسدية لكليهما، ويعبران عن التمازج الإنساني عبر ترديد غانم الآية الكريمة (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير).
كما أن القطريين تركوا العنان للجمهور العربي في الشارع يعبر بلا خوف من تهمة «إهانة إسرائيل»، برسالة واضحة مؤداها «لا للتطبيع مع إسرائيل»، برفع العلم الفلسطيني عاليا خفاقا، هاتفين: «القدس عاصمة فلسطين»، وكذلك امتناعهم عن الاستجابة للمقابلات التلفزيونية مع وسائل الإعلام الإسرائيلية التي ذهلت أمام ذلك، حتى نقلت إلى جمهورها في فلسطين المحتلة الحقيقة المرة لهم أنه «تطبيع مع الحكومات وليس بين الشعوب»!
أعجبني مواطن قطري وهو يعدد في إذاعة BBC الإنجازات التنموية الأخيرة الراقية، من شوارع وفنادق ومستشفيات ومزيد من الأماكن الترفيهية البريئة، وتحويلها إلى قبلة للسائحين، كدخل قومي إضافي، قائلا: «إننا نرفض أن تلحق قطر بمسمى الدول النامية، بل نحن دولة متقدمة»!
[email protected]