قد نصادف في حياتنا الكثير من الحمقى والسفهاء، والذين هم عبارة عن شرذمة من الغوغائيين الذين ينبغي تجاهلهم وإظهار مكانتهم الحقيقية ليعلموا حجمهم الحقيقي وليستيقظوا من أوهامهم التي تزين لهم الاستمرار في حماقاتهم ومواصلة تفاهتهم ونزقهم، وإذا كان يتحتم عليك، عزيزي القارئ، أن تدخل في نقاش مع أحد هؤلاء السفهاء، فلتحرص كل الحرص على ألا تنتهج طريقته في الحوار، بل أوضح زيف ادعاءاته واترك الحكم للجمهور.
قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لا تجادل الجاهل كي لا يغلبك في جهله»، فإن خالطت الجاهل طويلا فسيجرك إلى القاع لا محالة، ثم سيدفنك بجوفه حتى يهلك عقلك، لأنه كلما جادل المرء السفهاء أكثر، انتقص من قدره وأصاب الوهن عقله، ليخرج من السجال بعد أن ضيع ساعات طويلة من وقته بصداع ومشاعر سلبية وخسارة ما بعدها خسارة، لذلك من الأفضل لك ألا تجادل الأحمق والجاهل، حيث إن من يملك هذه الصفات قد يكون مقتنعا ببعض الأمور صعب تغييرها مهما أتيت له بالحجة والبرهان، لهذا ينصح بتركهم لأفكارهم وعدم إهدار الوقت معهم، لأنه مهما كان لديهم من حجة ضعيفة سوف يتمسكون بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل»، ثم تلا هذه الآية: (بل هم قوم خصمون).
فكن على يقين تام بأن مجادلة السفهاء يمنحهم غرورا زائفا يصور لهم أنهم رأس الحكمة وأن غيرهم لا يفقهون شيئا! لذلك قيل: من يعطي المجد للأحمق يشبه من يربط حجرا بالمقلاع، فمعظمهم بمنزلة وباء يستشري في مجتمعنا يحاولون الهيمنة والتأثير على عقول غيرهم، فكثيرا ما نجد أن هناك حربا مشتعلة تدور رحاها بين حفنة من الجهلاء، أولئك الذين دائما ما يسارعون إلى طرح آرائهم إزاء قضايا مجتمعاتهم ومجتمعات غيرهم، وكأنهم أفهم الفاهمين، ومعظمهم لا يعرفون شيئا اسمه قراءة أو كتابة، ورغم ذلك يتبجح الواحد فيهم برأيه وكأنه فيلسوف زمانه وعبقري عصره، ذلك بعد أن استبد الجهل بالعقول للأسف والغوغائية بالقلوب، فأصبح النقاش لأجل النقاش فقط، لا في سبيل العلم والتعلم، أي كالدم الذي يجري في العروق.
حيث اتخذ البعض هذا الشكل من الجدال أو النقاش الذي لا يسمن ولا يغني من جوع نمطا ثابتا لا يقبلون عنه بديلا، حتى استطاع هذا السلوك الذميم أن يصنع جيلا كاملا من الشباب السطحيين.
وقد لخصت بعض الدراسات إلى أن مجادلة السفهاء تؤدي إلى مشكلات نفسية كثيرة، منها ما قد يؤثر أحيانا في قدرتنا على محاكاة المنطق والتفكير بطريقة سوية، فإذا استمرت مجادلتك مع سفيه لعدة ساعات على سبيل المثال، فإن هذا قد يفقدك الثقة حتى في نفسك ويشوش أفكارك وينتقل بفكرك من الصلاح والإيجابية إلى السلبية والوهم وإنكار البديهيات، وذلك وفقا لنتائج الدراسة النهائية.
لذلك، كل ما عليك فعله هو أن تتسلح بالعلم والمعرفة أولا حتى لا تكون لقمة سائغة على مائدة من يدّعون الثقافة والرأي السديد، وأن تبتعد ابتعادا كليا عن مجادلة أي شخص تستشعر أنه يريد الجدال لا ليتعلم ويعلم ويتبادل المعلومات، بل بهدف إثبات وجهة نظره والانتصار في معركة سخيفة لا فائز فيها.