آخر مرة زرت فيها الرياض في رمضان عام 2014 لتقديم درع تكريم حملة «الكويت تقول شكرا» للمرحوم محمد عبدالعزيز الراجحي تسلمه عنه ابنه الشيخ بدر الراجحي عن دوره الكريم الذي لا ينسى خلال الغزو العراقي عام 1990 بقبول مصرف الراجحي لعملة الكويت المحتلة بنفس سعر الصرف قبل الغزو، وفتحه البيوت والمساكن لأهل الكويت، وقبل ذلك في عام 2004 عندما كنت أعمل في وزارة المالية لحضور اجتماع في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي ولم أجد اختلافا كبيرا فيها بين العشرة أعوام، ولكنني بهرت بعد تلبيتي لدعوة كريمة من الهيئة السعودية للسياحية «روح السعودية» لزيارة موسم الرياض.
وسأركز في هذا المقال على جودة الخدمة واحترافيتها بعيدا عن الفعاليات الجميلة والشيقة التي لا تكفيها سطور هذا المقال، حيث أبهرني أمر غيَّر مفهوما كان راسخا في مخيلة أغلب الخليجيين بأن المواطن الخليجي عمله محدود في مواقع معينة خلف المكتب، حيث إن مشروع «السعودة» أثبت نجاحا منقطع النظير في كل قطاعات ومؤسسات المملكة ابتداء من رجال الأمن والتفتيش والاستقبال وخدمة العملاء مرورا بقائد التاكسي والتنظيم والإرشاد السياحي بل وحتى العاملين في المطاعم والكافيهات ومحلات الملابس والأسواق وموظفي الكاشير وانتهاء بالعقول الإدارية والإشرافية التي تعمل كلها بدقة وفق منظومة واحدة، تخيلت مباشرة نجاح تجربة السعودة بالتكويت عندنا، وأنا هنا أتحدث عن مشروع قدمته في أبريل 2018 إلى وزارة الشباب تحت اسم «أفتخر» لا يلغي حاجتنا للعامل الوافد ولكن يشجع الكويتي للعمل في القطاع الخاص، كما يعطيه فرصة عمل إضافي آخر، حيث أثبتت فترة جائحة كورونا بعد أزمة العمالة كفاءة الكويتي في سد العجز الذي قد يحدث، كما أظهرت لنا ضرورة الحاجة إلى تجهيز المواطن لسد أي نقص.
بالمقابل الفكرة تتيح للمواطن استغلال القانون الحكومي الأخير الذي يسمح له الجمع بين وظيفتين، قدم في فكرة منظومة توظيف تحت اسم «أفتخر» شرح مفصل قابلت فيها كبار المسؤولين في البلد، وقد لاقت القبول من قبلهم لدرجة انه تم تعييني «شفهيا» مستشارا لتنفيذها بأحد الجهات الحكومية، وأروني حتى مكتبي..شفهيا، وبعد 9 أشهر من الانتظار، شاهدت المشروع قد تم تنفيذه بشكل مشوه تحت منصة باسم «توظيف» يتم خلالها نشر إعلانات «وكأنها براءة ذمة» بأننا ندعم الشباب فقط لمن يبحث عن وظيفة، ولا أتوفع وفق الإحصائيات أنها حققت نتائج ناجحة، حيث إن الفكرة التي قدمتها تعطي فرصة العمل للجميع وحتى المتقاعدين، ولها حملة إعلانية موجهة لكسر الحاجز النفسي.. أنا كويتي واعمل في محطة الوقود وأفتخر.. أنا كويتي وأعمل كاشير وأفتحر.. الخ.
تسمح للجميع بفتح باب لحياة جديدة، يشغل فيه وقت فراغه بعمل يسعده ويعود إليه بالعائد المادي خلاف وظيفته الأساسية، وحلول مالية بعيدا عن الحاجة إلى السلف أو الاقتراض، وقبل توظيفهم لابد من تجهيزهم وتدريبهم للعمل، في ظل ظهور شبح الهجرة بأعداد كبيرة للعمالة الماهرة للأسف الشديد من الكويت بشكل يومي إلى الدول المجاورة بسبب القوانين المحدثة الطاردة لهم بانت نتائجها بوضوح بالقطاع الطبي، والتي سأتحدث فيه بمقال لاحق.
مشكلة الحكومة كما نقلها لي أحد الإخوة النواب أنها فعلا لديها نوايا للإصلاح والتنمية، ولكنها تجهل الطريق والآلية، لذلك تراها مترددة او تقوم بإصدار قرار في أكثر من مرة ثم تتراجع عنه، وحالها أشبه بحال منتخب الكويت لكرة القدم وبنفس المستوى والتقييم، حيث لا يمكن أن تلقى أي نتائج أفضل من السابق إن كان التغيير فقط في الوجوه والأسماء من دون تهيئة البيئة المناسبة والاستعانة بالعقول الخبيرة والمناسبة في كل مجال، أما الإقصاء لمجرد الإقصاء.. فلن يحدث أي تغيير للأفضل.
[email protected]