في معارك حياتنا اليومية، التي نمارسها على جميع المستويات، قد نصل أحيانا إلى قناعة تامة بوجوب الانسحاب، ليس هزيمة أو ضعفا، وإنما انسحاب إيجابي هادئ سريع لا يؤذي أحدا ولا يثير ضجة، انسحاب يقلل التوتر والانزعاج، انسحاب يمنحنا فرصة لمراجعة الأوراق، بالإضافة إلى أنه انسحاب قد يدعم حتى استمرار علاقاتنا مع الآخرين، وذلك رغبة منا في الحفاظ على ما نريد الحفاظ عليه في هذه الحياة.
ومن الضروري جدا أن نعي أن طريقة الانسحاب في التعاملات وتجنب المواجهات الفورية هي من طرق القوة، وأن ممارستها تحتاج إلى حكمة ورزانة عقل وإرادة.
ولنعلم جميعا أيضا أن الأشخاص ممارسي لعبة الانسحاب في الوقت المناسب هم الأقوى دائما وأبدا، وقد يعترضنا بعض الأشخاص أو المواقف، الذين لا يمكن مواجهتهم أو التعامل معهم بطرق مباشرة، لأن ذلك سيعود بالضرر والخسارة الكبرى على الطرفين، لذا ففكرة أن نبتعد مؤقتا وننسحب لأجل تجنب هذه المشاكل والأضرار هي الفكرة التي يدور حولها الانسحاب الإيجابي، الذي لا يدرج ضمن قوائم الضعف والانهزام كما يعتقد الكثير.
فانسحابك في بعض المواقف، يتطلب منك الحكمة والجرأة والشجاعة والذكاء، وقد يتردد الإنسان في داخله عند اتخاذ مثل هذا القرار، خوفا من أن يظن الآخرون به أنه جبان ضعيف لا يمكنه المواجهة وأنه يفضل الانهزام.
ولكن تأكد أن شجاعتك في تأجيل قراراتك أحيانا في بعض المواضيع المهمة ومراجعة أوراقك قبل الإعلان عن ردة فعلك هما إثبات لقوة شخصيتك، وكما يقال: «الانسحاب يكون قوة لإنقاذ ما تبقى، وليس هروبا»!
ولنا درس واف وكاف في مثال انسحاب «عود الثقاب» من منظومة أعواد الثقاب المشتعلة، انسحابه في اللحظة المناسبة قلل من حدة الاشتعال وأطفأ الحريق المحتمل، فقد انسل «العود» بهدوء للخلف تاركا وراءه فراغا ليتوقف عنده الشرر، وحفظ نفسه من الاحتراق، وحفظ الصف من الاشتعال، في شجاعة واضحة وقدرة على اتخاذ القرار الإيجابي السريع، فقوة الفرد الحقيقية تقاس بقوة ذكائه ورجاحة عقله وحسن تصرفه، ولا تقاس بقوته الجسدية وتهوره وسرعته في اتخاذ قراراته فقط.
فتيقن أن قرارك بضرورة الانسحاب الإيجابي مبني على القوة في عدم الرد بالرغم من تمكنك من ذلك، ومعرفتك الجيدة أن هذا هو الحل الأفضل لإنقاذ الموقف، ففي النهاية يبقى الانسحاب الإيجابي هو الطريقة السليمة والفعالة لتجنب الكثير من المشاكل، خاصة التي تضطرب معها العلاقات والحياة، كما أن استخدام البصيرة يجعلنا نخلق الوعي اللازم في علاقاتنا مع الآخرين والكثير من المواقف التي تمر بنا.