يقول إبراهيم الفقي: في المدارس نتعلم الدروس ثم نمرّ على الاختبارات، أما في الحياة فنمرّ بالاختبارات ثم نتعلم الدروس، لذلك دائما ما يتردد على مسامعنا «إن الحياة مدرسة»، وهي عبارة ذات معنى شاسع لا حدود له، معنى من خلاله يبدأ فهمك لمشاكل الحياة وهمومها وضغوطها في شتى مجالاتها، معنى من خلاله يجب أن تتعلم منه كل الدروس والعبر.
الحياة مدرسة فيها يعيش الغني والفقير، ولكن الفقير لا يوجد من ينتبه له إلا من رحم الله، لذلك تجده أحيانا يطلب ودّ الغني ويسعى للتقرب منه، الحياة مدرسة فبها أصبحنا نرى أن كلام الغني يسمع وإن كان جاهلا للأسف، ويعرض عن كلام الفقير وإن كان عالما، الحياة مدرسة نعم وذلك عندما صادفت أناسا انتهازيين، استغلاليين، يصاحبون الأشخاص لأجل مصلحتهم وليس لأجل الصداقة التي يدعونها، وعند انتهاء المصلحة، لا تكاد تجد أحدا في جنبك خصوصا عند حدوث النوازل إلا قليلا! وانت الذي كنت تعتقد أن كل الناس طيبون لا يكذبون، لا يخونون، لا ينافقون، او يتخابثون ويكرهون، وهم في المقابل يحملون الضغينة والحقد في قلوبهم لأقرب قريب لهم، لذلك صار البعض يدخلون حياتنا ويخرجون منها سريعا، والبعض الآخر يعايشنا لفترة تاركا بصمات في قلوبنا.
الحياة مدرسة نعم فأنت تتعلم بها احترام الناس كيفما كانوا، كونك تحمل قيما نبيلة بداخلك، ليظن الآخرون للأسف أنك مغفل ساذج، وما علموا أن الله قال لنبيه واخفض جناحك للمؤمنين.
الحياة مدرسة ذلك، وعندما وجدت الناس بعيدين كل البعد عن معنى اللطف والرحمة، فيها ظالم منافق وفيها مظلوم، والظالم المنافق ظلمه ونفاقه نابع عن ثقافة وتربية بحتة للأسف، الحياة مدرسة نعم عندما أصبح الجاهل فيها يسير أمور العالم، ذلك الذي لا يستطيع قراءة جملة يدير شؤون العوام، وحينما أصبحت الشهادات العلمية تباع وتشترى من أجل شغل مناصب دنيوية عندما يتم تزويرها ليصبح هذا أو ذاك يحمل لقب دكتور، مهندس... إلخ، وغيرها ممن همهم وشغلهم البحث عن المناصب لا عن العلم النافع، ويداس فيها بالمقابل أصحاب الفكر والطموح والعلم الحقيقيين.
الحياة مدرسة نعم عندما تعطى القيمة لما يرتديه الإنسان فيصنف بلباسه ومظهره لا بأخلاقه وتعقله وسلوكه، والعكس صحيح، فإذا ما كنت تلبس لباسا لن أقول باليا، ولكن عاديا لا يلقي لك أحد بالا، وربما قد يتم الإساءة إليك لمجرد أن لباسك ليس كمثل لباس بعضهم، وهنا تذكرت وليمة الأصمعي الذي قال للباسه كل، فلولاك ما دخلت الوليمة! الحياة مدرسة، حين وجدت المسلمين يتحدثون ويقولون أنهم مسلمون، وغالبيتهم إن سئلوا عن معنى الإسلام لا يعرفون الإجابة، إلا من رحم الله، يعرفون أن الخيانة محرمة فتجدهم يخونون، ويعرفون أن الكذب والنفاق مبغوضان عند الله ويكذبون وينافقون، والأدهى والأمرّ حين تجدهم يتعاملون مع الأجنبي المتحضر كأنه ملاك، ومع بعضهم البعض كره وحقد وحسد.
عرفت أن الحياة مدرسة، عند معرفتي بأن الإسلام شيء وتطبيقه شيء آخر، عند معرفتي أن غالبية الناس لا ينبغي متابعتهم في كل شيء فإن أحسنوا نحسن، وإن أساؤوا نعلمهم ولا نتبعهم، فالقرآن الكريم يشهد في الكثير من الآيات أن أكثر الناس (لا يعلمون، أكثرهم ظالمون، أكثرهم لا يفقهون وغير ذلك مما أشار له سبحانه).
نعم هي مدرسة، فأساتذتها ومعلموها التجارب، ودروسها العبر والعظات، فكم من تجارب مرت علينا كانت قاسية تعلمنا من قسوتها وصقلتنا، هذا وبخلاف أنها لم تستقم لأحد حتى تستقيم لنا.
وتبقى الحياة مدرسة!