جاء الاجتماع الصيني ـ الخليجي الذي عقد في المملكة العربية السعودية مع رئيس جمهورية الصين شي جين بينغ «ضربة معلم» بامتياز وخطوة في الطريق الصحيح، حيث أسس لانطلاقة تاريخية في مختلف المجالات، ومنها إقامة منطقة تجارة حرة مشتركة وإنشاء مركز صيني ـ خليجي للطاقة النووية وعمل مجلس للاستثمار، والأهم هو تفعيل نظام الدفع والدفعات النقدية التجارية المتبادلة بالعملات المحلية، وهذه الأمور تفتح آفاقا لتقوية الشراكة مع الجانب الصيني ودفعها نحو مسارات جديدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.
إن الصين في حاجة إلى شراكة استراتيجية مع منظومة دول مجلس التعاون، فهي تتموضع في قلب العالم القديم، والمتحكم في أهم طرق ومعابر التجارة العالمية بين الشرق الأقصى وأوروبا، والأهم من ذلك كله ثراء دول الخليج بموارد الطاقة التي لا غنى للصين عنها لتحريك عجلة اقتصادها الضخم المتسارع في النمو سنويا بما لا يقل عن 80%، وتعتبر الصين الآن ثاني أكبر مستهلك للنفط وثالث أكبر مستورد، ويشكل استهلاكها المتزايد نسبة 40% من تزايد الاستهلاك العالمي للذهب الأسود.
إن حكمة منظومة دول مجلس التعاون واضحة، وكذلك «بعد النظر» لديهم وقراءتهم لتعدد الأقطاب الدولي «القادم» والذي معه أصبح من الواجب تأكيد وجود عدد «غير محدود» من الحلفاء وأيضا «العلاقات الحسنة» مع «الجميع» تماشيا مع هكذا تغيرات قادمة لا محالة، ولكن في نفس الوقت لا تهدف دول الخليج إلى الابتعاد عن باقي «الآخرين» في العالم أو إلغاء تحالفاتها القديمة، لكنها «مرونة» مطلوبة «مستقلة القرار» ضمن «حياد إيجابي صحي» يخدم مصالحها لا يريد أن يكون ضمن «محاور» وصراعات أقطاب ليس لنا علاقة فيها كخليجيين وكعرب، ولكنه حياد إيجابي مطلوب يتعامل مع حقائق الواقع وتؤكده قراءات علمية تخصصية للسياسة الدولية حيث لا ضمان لاقتصاد أو أمن أو استقرار بدون وجود «دول» مؤسساتية راكزة في العمق تفكر في المستقبل ضمن خطط مصلحية.
لذلك ما حصل في الاجتماع الأخير هو«ضربة معلم» يقدم للخليج مجالا للمناورة والتفاوض والمنفعة ويعزز الأهمية والنفوذ لها ضمن مشهد عالمي يعكس عمق التحولات في البيئة الاستراتيجية الدولية، حيث إن العالم، كل العالم يتغير ويتشكل من جديد من عالم أحادي القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب، وهذا الأمر ليس أمنيات ورغبات وأحلام يقظة، بل هو حركة على ارض الواقع، فلنلاحظ جميعا ما حدث مؤخرا في تصويت الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة على إنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد في تاريخ 14/12/2022 والذي للمفارقة وافقت عليه جميع الدول العربية والشرق الأوسط ما عدا «الكيان الصهيوني»!، وهذا مؤشر ضمن مؤشرات كثيرة وخطوات متسارعة في العالم الذاهب لتعدد أقطاب القوة الدولية، وهنا نجاحنا كخليجيين وحكمة قيادتنا أننا لم نتأخر في ردة الفعل المناسبة وتحركنا بما يفيدنا ولا يضرنا.