جلست والحيرة بعينيها
تتساءل من أشعل تلك الحروب؟
قالت يا أبتِ لا تعجب
فالغدر آفة بعض الشعوب
يا أبتِ قد ساد الظلم
والعدل أصبح هو المغلوب
تلك هي ابنتي رغبت في أن تحاورني، وتستعرض ما تملكه من ثقافة وعلوم، قالت: درسنا في كتاب التاريخ، أن مكة المكرمة تعرضت لغزو من أبرهة الحبشي، وكان هدفه فقط هدم الكعبة ليمحو قدسيتها، جاهلاً أن الملائكة وبأمر من الله سبحانه وضعوا أركانها ثم رفع «أبو الأنبياء» إبراهيم وابنه إسماعيل قواعد البيت، فكان هذا البيت محفوظا بأمر الله، كما سخر الله خلقه لرعاية البيت العتيق، وتكفلت قريش بسقاية الحجيج، وهذا فخر وكرم «وربما فيه تقوى لرب البيت، وتقوى الله منجية»، فحين ذهب سيد قريش عبدالمطلب (جد رسول الله) ليسترجع حلاله من الإبل التي استولى عليها الغازي أبرهة، استغرب أبرهة وقال: ظننت أنك ستمنعني من هدم الكعبة لكن وجدتك تطلب الإبل! فرد عليه عبدالمطلب بن هاشم: أنا رب الإبل، «وللبيت رب يحميه»، جملة لم ينسها التاريخ.
وهنا أتذكر قول الله سبحانه: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)، الشرط هو التقوى والنتيجة المخرج من الأزمة ثم الرزق. والكل يعلم كيف دمر الله جيش أبرهة بالطيور القاذفة لحجارة من نار.
في أغسطس 1990، تم غزو الكويت غدرا وحقدا وطمعا بابتلاع الكويت كلها، لم يعلم الغازي وجيشه اللئيم أن الكويت أوجدها الله ثم سخرها لتنشر الخير في كل أصقاع العالم وتعين المحتاج، وتجبر الخواطر، وتنصر المظلوم، وبلد الإنسانية والصداقة والسلام، بحكمة قيادتها وشعبها، والحكمة ضالة المسلم، (والحكمة هنا مربط الفرس)، يقول الله جل وعلا: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذّكّر إلا أولوا الألباب).
فالحكمة هبه من الله، لا تكتسب، فمن يستعرض أحداث أيام الغزو يجد الحكمة تتجلى بكل شيء، إن إصرار وشجاعة ولي العهد (آن ذاك) المغفور له بإذن الله سمو الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله على المحافظة على رأس الشرعية الكويتية وقتها المغفور له بإذن الله، سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، والنجاة به إلى خارج الكويت ليكون رأس الحربة في التحرير، وتلك من فنون الحروب ثم تتجلى الحكمة بشعب الكويت الذي تلقى الفاجعة بكل رزانة وهدوء، وحافظ على أركان ومكونات الدولة، من كهرباء وماء، وكوّن اللجان التكافلية لتوزيع الأموال والإغاثات التي ترسلها الشرعية الكويتية من المنفى، إلى الشعب الكويتي الصامد، ونفذ ما تطلبه الشرعية من أوامر وتعليمات ومنها عدم استفزاز الغزاة وعدم التصادم معهم وعدم إعطائهم حججا للقتل والتدمير، فالتزم الكويتيون الصمت متكلين على الله سبحانه ثم إطاعة ولي الأمر الشرعي، فحافظ الكويتيون على حياتهم وممتلكاتهم بحكمة من الله وهبها لهم، وفي نفس الوقت لم يتعاونوا مع المحتل، فحين ادعى المقبور صدام أن الكويتيين هم من طلبوا نجدته، تجلت حكمة شعب الكويت العفوية بالتوافد لعقد مؤتمر جدة لإصدار بيان من الشعب الكويتي كافة وبكل شرائحه بالتمسك بالشرعية الكويتية وعدم القبول بأي بديل عن حكامه آل الصباح، فكانت صفعة له ولمن اتبعه، فقام باختطاف المصلين من المساجد وجعلهم أسرى ثم قتلهم ليطفئ نارا في قلبه، ثم حرق آبار النفط العربي ليغيظ الغرب، فسخر الله جندا من خلقه فأرسلوا عليه طائرات لترميه بصواريخ من نار.
أحداث تمت خلال سبعة أشهر ليثبت الله لنا أن (من يتق الله يجعل له مخرجا …..)، (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا).
بعد تحرير الكويت، تفكك الاتحاد السوفييتي الذي كان ندا وخصما لأميركا وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ومن ضمن الدول التي خرجت من عباءة الروس جمهوريه أوكرانيا والتي شطحت بعيدا فطلبت الانضمام إلى (الناتو) المعسكر المضاد للروس وأصبحت أوكرانيا خنجرا بخاصرة الروس فكان غزو أوكرانيا.
ما يهمنا في الموضوع هو دراماتيكية الأحداث، والحكمة الغائبة، فلو غيرت أوكرانيا منهجها السياسي لحفظت بلدها وشعبها من الدمار، ما نراه الآن أن أوكرانيا تحارب الروس في أرض أوكرانيا وبسلاح الغرب وبأبنائها وبشعبها المشتت، وأن القوتين غير متكافئتين وستنتهي الحرب بدمار شامل لأوكرانيا فقط حجرا وبشرا، والغرب يجرب كل أنواع أسلحته ويخرج بنتائج تفيده، وتعتقد القيادة الأوكرانية أن تزويد الغرب لها بالأسلحة مصلحة، بل هو سكب الزيت على النار.
مما سبق ثلاثة أنواع من الغزو: 1- هدم الكعبة، 2- ابتلاع وطن، 3- هدف الغزو الروسي هو تغيير منهج سياسي لأوكرانيا والطلب منها عدم التعاون العسكري مع أميركا.
نخرج مما سبق بأن نعمة الحكمة الربانية والتقوى البشرية هما من أسباب النجاة والنصر.
شكرا ابنتي الحبيبة على هذه المقارنة الجميلة.
[email protected]