كثيرا ما يحكم البعض على الآخرين من خلال مظهرهم الخارجي ويجعلون تركيزهم ينصبّ انصبابا كاملا عليه، تاركين جوهرهم فالملبس أو الشكل أو المظهر... إلخ، وتلك الماديات زائد طريقة العيش والحديث هي دلالات ظاهرية بالقبول أو الرفض لبعض الأشخاص، وقد لا يلام بعض الناس عندما يحكم على من أمامه من مظهره وما يملك، فما تراه هو الظاهر، والظاهر هو المكشوف ولا يمكن للإنسان بقدراته المتواضعة أن يعلم سريرة من أمامه مثلا، أو ما يكنه هذا الشخص للآخرين من صدق أو كذب أو نفاق أو خبث، بمعنى لا يرى الجانب الخفي من شخصية الذي أمامه، وكثيرا ما يحكم بعضنا على الآخرين حكما لا يليق بهم، فالبصر والسمع أشبه بجهاز المسح الخارجي لا يستطيعان التحكم بالمسح الداخلي، فالله عز وجل وحده من يستطيع أن يرى داخل الإنسان مثلما يراه من الخارج، لذلك النوايا طيبة أو خبيثة لا يعلمها إلا الله جل شأنه.
كما يصدف أحيانا أن يرتاب البعض ويشمئز من أناس بسطاء ولا يحترمونهم وسرعان ما يسيئون الظن بهم وبأخلاقهم، ذلك فقط لأنهم حكموا عليهم من خلال مظهرهم الخارجي، وقد يكون أولئك الناس عنوانا للأخلاق والعفة والأمانة، بينما في الجانب الآخر قد تجدهم لا يرتابون أبدا أو يشمئزون من أناس آخرين بل ويكنون لهم كل الاحترام فقط بسبب مظهرهم وفخامة ملبسهم ولباقة لسانهم ويثقون ثقة عمياء بهم، وقد يكون أولئك الناس عنوانا للخبث والأخلاق المرذولة، والصفات القبيحة والنفاق، فقد تجد منهم من يسرقك وأنت تضحك معه أو يوهمك بأمور أو بمشاريع غير حقيقية فقط كي يفر بمالك الذي لطالما تعبت من أجله سنين طوال، ذلك حتى في مجال عملك قد تظن بالبعض أنهم حامون ومحافظون على المال العام وهم أول من قد يقومون باللعب فيه لمصالحهم ومنافعهم، ويتمتعون وينتفعون به دون وجه حق، ويمدون أيديهم حتى على أموال غيرهم دون أن يؤنبهم ضميرهم!
فنحن في النهاية أقوام قد نحكم على الشكل الخارجي ونصدق الشكل الخارجي ونؤمن بالشكل الخارجي وقد لا ننصف أصحاب النوايا الحسنة الطيبة، لأن بعضنا تعجبه المظاهر فتعميه عن محاسن الأخلاق والجوهر، ولأن أغلب الأشخاص صاروا يحكمون على غيرهم من خلال مظهرهم الخارجي، أصبح معظم الناس يهتمون بالشكل الخارجي فقط ليظهروا إلينا في أحسن وأبهى صورة وأهملوا ما هو أهم «الجوهر».
وليس هذا فحسب، فالتعلق بالمظاهر امتد إلى أبعد من ذلك بكثير للأسف، فأصبح حتى السؤال عن زوج المستقبل مرتبطا بالظاهر «كم يملك وابن من؟» ظنا منهم أن الإنسان بـ «كم يملك؟» وبـ «ابن من؟» سيجعل ابنتهم تعيش براحة ونعيم وخير وفير، ولا يعلمون أنه قد يكون على العكس تماما.
صحيح أن الوجاهة وحسن المظهر قد تفتح الأبواب قبل القلوب، ولكن هناك من يتستر وراء هذه الوجاهة ويستغلها، وهناك من يتستر وراء ذلك الحسن ويشوهه، فهي مجرد خبايا لا يعلمها إلا الله، فاللحية لا تصنع فيلسوفا!
فهناك من يعطيك حلو الكلام وهو يكن لك البغض والكره، وهناك من يعد نفسه صديقا حميما ولكنه يحمل من النفاق آيات ودلائل، يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «رُب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره»، ذلك لأن الله يرى النفوس الصادقة ويعلم بها، فبقليل من التفكير وبقليل من التبصر تتجلى للإنسان حقيقة من أمامه، وكما يقال: «لا تحكم على الشجرة من لحائها».