آن أوان أن أشارك القراء الأعزاء الحديث بشغف ملح، وأظنهم يتفقون معي حين أقول، لماذا كانت الاستدامة؟
ببساطة لقد كانت الخطوات الاستباقية التي قطعها العمل الخيري الكويتي بمعية مشاريعه الطموحة، التي مست فيها عاطفة الإنسان المهمش، تتحسس منفعته بشتى الوسائل هي المدخل، وهذا جوهر العمل، إذن فالاستدامة كمبدأ لم تكن وليدة المصادفة، أو محض خيال، شاغله التلاعب بالمفاهيم، أو إلقاء الكلام على عواهنه، بل هي نتاج فكرة اختمرت وقتما استجدت الحاجة لمرحلة أشد عصرنة، يلتحم فيها الماضي بالحاضر لإنتاج المستقبل، والبحث عن قوالب عمل أكثر إيمانا بآلام الإنسان في كل مكان، بإيمان يعلم يقينا أن مد يد العون قدره، وتلبية نداء الإنسانية جهد رسالي لا يضاهى.
إن قيمة الاستدامة - إن جاز التعبير - التي يبنى عليها العمل الخيري حركته، هي إفراز حقيقي وتصديق واع لرسالته، التي أمنت عليها مشاريعه المطروحة في كل شبر من أرض الله، هذه القيمة التي أرادت أن يبقى الأثر شاهدا على عظمة خيرية الأمة، والكويت تضرب مثالا فريدا في ذلك كدولة حاضنة للعطاء، والناظر للاستدامة كمفهوم، حتما سيرى فيه ذلك الانعكاس المشتمل لحركة التنمية التي تنادي بها نظريات الارتقاء المجتمعي، كمنصات صالحة لاتصال النفع، يجد الإنسان الفقير في ظلالها ما يشبع احتياجاته المعيشية، ويضمن له حياة آمنة، لا يتهددها الفقر والحرمان.
هاهي مشاريع العمل الخيري الكويتي صروح تنموية تتراءى فيها روح الحياة متدفقة، تتخايل دلائل عبقريتها حين تتمشى بالناس نحو الاكتفاء ووفرة الإنتاج، وتجعل من هذه الانطلاقة رأس مال يزيد ولا ينقص، فيه من الرسوخ ما يعززه لأن يهب من حوله الثقة والاطمئنان، وكم من محروم معدم، أو يتيم محتاج، أو أسرة فقدت عائلها، أو مجتمع فقير جرد أبسط أسباب الحياة، يؤمل أن يجد يوما ما ينتشله من أتراحه، ويقيه لظى العوز والشقاء.
وهذا ادعى لأن نسلم بأن الاستدامة في حد ذاتها تفك رموز كثير من المعضلات التي تعوق تقدم ركب المجتمعات، وتعطل ملكة أبنائها، وبراعتها في تقديم حلول ناجعة، قادرة في حال طبقت أن تعطيها دفعة للأمام.
لقد كان نصيب مشاريع الكويت من هذا التوجه كبيرا، ومساعينا لإقرار تربية وجدان الإنسان أن يكون أبعد نظرا، يستشرف مستقبله بوعي معمق، وكيف تجاوبت الشرائح المستهدفة مع مشاريعها، فكانت أكثر حرصا على أن يسلكوا طريق الاستدامة عندما ذاقوا حلاوته.