يترقب سكان دمشق وجميع السوريين بحزن مآل معلم جديد من معالم عاصمة الأمويين دمشق الذي طالته يد الاغلاق بدعوى الترميم. وبعد هدم دوار السبع بحرات بحجة اعادة بنائه، كما تقول محافظة دمشق، انتقد ناشطون وصفحات اخبارية محلية اغلاق مبنى التكية السليمانية وإخراج الحرفيين من سوق المهن اليدوية الذي كان مقصدا للسياح وزوار دمشق لشراء التذكارات والمقتنيات.
ولا يبدو ان تطمينات وزارة السياحة بأنها ستقوم بترميم المكان فقط كانت كافية لتهدئة المنتقدين، اذ عنونت صفحة «هوى الشام»: انتهت حكاية التكية السليمانية.. بعد عدة قرون من احتضان دمشق لها تغلق أبوابها ويتم اخلاء الحرفيين منها.
وعلقت ناشطة تدعى حنان: «يقال إن إخلاء التكية من الحرفيين وإغلاقه هو للترميم.. ونحن نعلم يقينا أن الخروج منه لن يتبعها عودة.. كيف لا وعشر سنوات مرت ولم يعد شيء كما سلف.. من اليوم هذا المكان لن يشبهنا، ربما بعد سنوات سيكون فائق الجمال لكنه مشوه الذكريات بقالب جميل مصنع»، وتمنت لـ «الحرفيين الذين حملوا تراث سورية على أكتافهم» أن يكون الله في عونهم.
وكتبت صفحة «نبض دمشق»: نهاية حزينة مشابهة لغالبية النهايات بهذا البلد. ونشرت تسجيلا مصورا للموقع لحظة مغادرة الحرفيين وبعد اخلائه، وعلقت بالقول «هكذا بدت التكية السليمانية بعد إخلائها من الحرفيين وقبل إغلاقها نهائيا.. ذكريات ولحظات حلوة كثيرة قضيناها في هذا المكان».
وقال الناشط وائل «يا ضيعان التراث والأصالة يا ضيعان تشريد شيوخ الكار.. قلوبنا معكن يا آخر ما تبقى من جذور الأصالة السورية الدمشقية».
وما زاد في حنق محبي دمشق وأبنائها المعلومات التي تحدثت عن منح المكان لإحدى شركات القطاع الخاص، لكن وزير السياحة م.محمد رامي مارتيني نفى في تصريح لوسائل اعلام ذلك، وقال: لا صحة لما يتم تداوله عن منح التكية السليمانية كاستثمار للقطاع الخاص، وهي ملك لوزارة الأوقاف، وليس للسياحة كي تتصرف بها.
واعتبر ان ما يجري في التكية هو عبارة عن مشروع وطني يعتبر الأكبر من نوعه في ترميم هذا المكان التراثي للمرة الأولى منذ إنشائه، وأعمال الترميم الجارية منذ أكثر من 3 سنوات هدفها صونه والحفاظ عليه.
وقال ان اعمال الترميم قد تستغرق ربما أربع سنوات حتى تتكامل كل المنطقة.
وبخصوص الحرفيين الذين جرى اخلاؤهم، قال «كان لا بد من إخلاء سوق المهن اليدوية، والذي يوجد في التكية الصغرى، لأن أعمال الترميم وصلت إلى هذا الجزء. وأكد أن الوزارة ستؤمن بدائل للحرفيين الذين ينقلون هذه المهن النادرة من جيل لآخر، وهم ليسوا مستثمرين، بل كانوا يشغلون هذا المكان بغرض التدريب والعرض والترويج للسياحة الثقافية.
وذكرت الوزارة في بيان أن مشاكل فنية بدأت تظهر في التكية منذ تسعينيات القرن الماضي، تمثلت بظهور تشققات في الجدران والأقواس والقبب وبهبوط في الأرضية، تفاقمت تلك المشاكل خلال الحرب. ووصلت الحالة الفنية للتكية السليمانية إلى درجة حملت معها مخاطر كبيرة على سلامة أصحاب المهن من جهة، وهددت بانهيار هذا المعلم الأثري التاريخي الهام من جهة أخرى، فكان لا بد من ترميمها بعد إخلاء الشاغلين لها، بحسب الوزارة.
وأضاف البيان «لذلك قامت وزارة السياحة بالتعاون مع وزارات الثقافة والصناعة والأوقاف واتحاد الحرفيين بتأمين موقع بديل مناسب لاستمرار عمل حرفيي المهن اليدوية من شيوخ الكار والمتدربين في موقع حاضنة دمر التراثية بدمشق، والتي تمتد على مساحة 5000 متر مربع لينضموا إلى عشرات الحرفيين الموجودين أصلا في تلك الحاضنة.
يذكر أن التكية السليمانية واسمها بالتركية «Şam Süleymaniye Külliyesi» هي بناء متكامل يعد من أهم الآثار العثمانية في دمشق وطرازها المعماري مشابه للعمارة في العهد العثماني والأبنية المنتشرة في عدة مدن سورية اخرى والمدن التركية. وتضم التكية السليمانية مسجدا ومتحفا وسوقا للمهن اليدوية والتراث والفن منها الزخرفة ومدرسة.
سميت نسبة إلى السلطان سليمان القانوني الذي أمر ببنائها عام 1554 م في الموضع الذي كان يقوم عليه قصر الظاهر بيبرس المعروف باسم قصر الأبلق في دمشق. وكانت تخدم عابري السبيل والفقراء والحجاج في طريقهم وتأمن لهم الطعام والمأوى والتعليم للفقراء من عوام الشعب.
صممت التكية السليمانية على يد المصمم المعماري الشهير المعمار سنان والذي يعتبر من أشهر المعماريين العثمانيين وأشرف على بنائها المهندس ملا آغا، حيث بدأ في بناؤها سنة 1553م وانتهى سنة 1559م في عهد الوالي خضر باشا، أما المدرسة الملحقة بها فتم بناؤها سنة 1566م في عهد الوالي لالا مصطفى باشا.