لا تتصور كائنا من كان يقضي حاجتك مثلما تريد وتتمنى إلا نفسك، أو من رحم ربي، فإذا خليت قلبت، مع علمنا ويقيننا بأن أفضلنا على الإطلاق من تقضى حاجات الناس على يده، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من مشى بحق أخيه ليقضيه فله بكل خطوة صدقة» وهذا المثل واقعي يدعو المرء إلى الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية ونبذ الاتكالية في قضاء حوائجه، وقد جاء المثل ضمن أبيات شعر حكيمة قالها الإمام محمد بن إدريس الشافعي، يقول فيها:
ما حك جلدك مثل ظفرك
فتول أنت جميع أمرك
وإذا قصدت لحاجة
فاقصد لمعترف بفضلك
ولا شك أن هذه الأبيات جاءت من واقع تجربة، وقد قيل في الأمثال: «النار لا تحرق إلا رجل واطيها» فلا تظن وتتوهم أن أحدا يشعر بما تعانيه من آلام إلا نفسك، ومهما بينت وشرحت لغيرك معاناتك وألمك فلن يفهم حقيقة ما تقول، لقد علمتنا الحياة وطول التجارب وسنوات العمر الطويلة أن هناك أناسا تتوسم بهم الخير من طيب حديثهم، فإذا هم كقول ابن عبدالقدوس:
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلب
نعم، فبعد قليل يخيب ظنك بهم، لأنك وجدت قولهم خلاف فعلهم حتى إنك تتمنى لو كنت لم تعرفهم من الأساس، فليس كل من تعرفه تعتمد عليه وتثق به في مهماتك وملماتك، وإن تظاهر أنه أهل لذلك، وربما ظننته قريبا منك وهو أبعد ما يكون عنك عند الحاجة، فهو قريب منك في الرخاء وبعيد عنك عند الشدة، مظهرهم خلاف مخبرهم:
ما أكثر الأصحاب حين تعدهم
لكنهم في النائبات قليل
والتجارب تكشف معادن الرجال، فلا تريق ماء وجهك أمام من لا يستحق، وكن عزيز نفس حتى لا تلوم نفسك على ما فرط منك، وباشر أمورك ولا تتكل إلا على الله تعالى، مدبر الأمور، ان كرامة النفس من الشيم العربية الأصيلة، فهي خلق كريم تبعدك عن كل ما يقلل من قيمتك بين الناس، كما أنها تدعوك إلى الاعتماد على ذاتك، وتجعل الناس يحترمونك ويجلونك، وإن الاعتماد على الغير ما هو إلا ضعف في شخصية المرء، فكن متوكلا على الله ثم اعتمد على نفسك في حل مشاكلك ولا تكن متواكلا وتعتمد على غيرك في حلها فتصبح ناقة الله وسقياها.
إن شريعتنا السمحة أمرتنا بالاعتماد على النفس ونهتنا عن الاعتماد على الآخرين، فعمود نجاحك وأساسه اتكالك على الله تعالى ثم اعتمادك على نفسك، وقد وصف الاتكال بالفراش الوثير والوسادة اللينة التي تدعوك إلى النوم، كل ما ذكرته لكم لا يتأتى ويتهيأ إلا للواثق من نفسه ولن يكون الرجل واثقا من نفسه إلا إذا وثق بالله تعالى وتوكل عليه في أموره كلها ولم يخف ويرج سواه، هذا ودمتم سالمين.