فبراير من كل عام تهل ذكراه عزيزة على قلوبنا، محببة لنفوسنا، شامخة شموخ الجبال، تتجدد بها آمال وطموحات وتطلعات شعبنا الوفي نحو غد أفضل، ذكرانا بمذاق مغاير لأنها باختصار ملحمة الصمود والفداء، في لحظة فارقة تلاحمت قوى شعبنا في أروع صورة، تتصدى بالحديد والنار والدم لقوى البطش والعدوان، التي تجرأت في النيل من سيادة أرضنا، ما أجمل الذكريات حين تشعرنا بأن في الحياة ما يستحق أن نحيا لأجله، وهل هناك ما يستحق أن نحيا، بل ونموت لأجله بعد الدين غير الكويت؟
يعود فبراير فتزدان الميادين، وتتجمل الساحات، وتزهو فضاءات الكويت براياتها، ترفرف في عنفوان وكبرياء، تهتز عزيزة فوق صواريها، لا تحول دونها إرادة، ومن خلفها مهج تتشوق، وحناجر تهتف، وقلوب نقية تؤمن في تصميم:
وطني الكويت سلمت للمجد
وعلى جبينك طالع السعد
أينما توجهت طالعتك مظاهر الابتهاج حاضرة، تغمر الدنيا أنسا وبهجة، تعانق الأفق في مهرجان وطني براق، يمتد ليعم ربوع كويتنا العزيز، دالا على أصالة شعبه ونقاء عنصره، هنا تختلط الأماني، تتوحد الوجهة، الكل تحت رايات المجد سواء، هنا يجتمع الناس في صعيد الوطنية الطاهر، يرددون أناشيد الحب عذبة كماء السماء، نقية كقلوب الطير، رقيقة كأوراق الشجر وعناقيد الزهر، يهتفون للوطن الذي أحيا فيهم معاني السمو والرفعة، كم أنت عظيم أيها الوطن حين تتجلى على أبنائك في ذكرى عزتك.
منذ الصبـــاح الباكر، ومع إشراقة شمس نهار كويتي خالص، تشق الجموع المتحمسة طريقها نحو المجد، تستقبل في انشراح نسمات فبراير العبقة، بعزائم وطنية دفاقة، تهدهد أحـــلام صغارهم، تنفخ في صدورهم لهيـــب الانتماء، تضيء لهم شعلة النور الخـــالد، ليلتمسوا معها طريقا نحو الكرامة.
يعود فبراير فتعود معه أقواس النصر مزدانة بأكاليل الورود، مخضبة بألوان التضحية، مجللة بالدماء الزكية لأبطالها الأوفياء، التي ارتوى ثرى الوطن منها حتى اكتفى.
يعود فبراير فتعود معه عبقرية قيادتنا، التي أدارت بحكمتها أروع ملاحم الصمود والدفاع عن الحق المشروع، كيف قامت بأعباء مسؤولياتها خير قيام، فلم تراهن ولم تجازف بمصير شعب ومستقبل أمة، بل خرجت تدعم وتؤازر، وتحشد القوة في سبيل استعادة الحق المسلوب، لم ترهبها آلة البطش والعدوان، فانطلقت عن إيمان راسخ تسمع الدنيا عدالة قضيتنا، وتحجز مكانا في الطليعة تمد أبطالها في ميادين الكفاح، يستمدون من تصميمها الأمل حتى تحقق النصر.
يعود فبراير وقلب الكويت لا ينفك ينبض، يسترجع الماضي ويهتف للغد، تعود الذكرى وأبناء الكويت صاروا زينة لمجده، وقوة لكيانه، وبناة لنهضته.