بمناسبة دخول شهر فبراير علينا، الذي يعد بالنسبة للكويت وشعبها من أفضل شهور السنة، كونه يزهو بأجمل الثياب ابتهاجا بأجمل مناسبتين غاليتين، ألا وهما عيد الاستقلال وعيد التحرير، نقول نحبك يا وطن وفي القلب لك ولترابك شوق العاشقين، نحبك يا وطن حبا يطرب له كل المحبين، نحبك ولن نكف عن نقد المعوج حتى يستقيم، ولن نتوانى في كشف وفضح كل متستر فاسد أثيم، ولن نكف عن التشهير بكل من سولت له يداه، أو قدماه، أن ينال من شرف ترابك، وتاريخك التليد يا وطن.
نحبك يا وطن وواجب علينا أن نصون أرضك ونحميك من أطماع الطامعين، فكم يحزننا أن نراك في ضنك، وأن كثرا بين من يدعي الوفاء يخدعك، وأن من لا يخجل استباح قدسيتك، نعم نحبك يا معراج خير البشر، ولن نتوانى في رجم كل كذاب أشر، وكل محتال تمرس في فنون النصب، ولم يكتف بممارستها من اختناق المغيب حتى تنفس الفجر، نحبك وستبقى انت يا وطن شعلة تضوي بين النجوم وفوق السحاب، وإننا شعب مخلص لك لا نجيد فن الرياء، فلن نتركك لجوقة الطبالين في ركاب السلاطين، لأننا نحبك يا وطن، ولا نريد أن نراك إلا في القمم.
فأنت يا وطن أهم من كل الزمر، وأنت أعز من كل الأحبة أجمعين، فحب الأوطان من الإيمان، والوطن شجرة طيبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات وتسقى بالعرق والدم، لهذا يعز علينا كثيرا أن نراك كئيبا حزينا، فلقد كثر أعداؤك يا وطن، وزاد حسادك، وتمددت فيك المحن، واستأسد الرويبضة المنافقون في ساحاتك، وتوارى الشرفاء العزل، فالمال سال في أيد أغلبها قذرة، والجاه رافق من لا جاهة لهم ولا وجاهة.
والوطن شجرة طيبة لا تنمو إلا بوجود تربة صالحة ورعاية جيدة، لذلك لم ولن نهملك يا وطن ونتركك للدودين، فكم سكت وجزيت بما لا تستحق يا وطن! وكم أنت صبور على من باع فيك ومن اشترى!
فحب الوطن شعور إنساني فطري زاده الإسلام تأكيدا وبصيرة وعمقا، ومحبة الوطن عاطفة تجيش في النفوس، شأنها في ذلك شأن سائر العواطف الأخرى، وحب الوطن واجب يقره الشرع ويفرضه الواقع، وارتباط الإنسان بوطنه وبلده مسألة متأصلة في النفس، فهو مسقط الرأس ومستقر الحياة ومكان العبادة، ومن خيراته يعيش ومن مائه يرتوي، وكرامته من كرامته، وعزته من عزته، به يعرف، وعنه يدافع، وهو محل المال والعرض ومكان الشرف، لذلك واجب على جميع البشر بأن يألفوا أرضهم على ما بها ولو كانت فقرا مستوحشا، فقد اقترن حب الأرض في القرآن الكريم بحب النفس قال تعالى: (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم». واقترن في موضع آخر بالدين: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)، وهذا يدل على أن طبيعة الإنسان التي طبعه الله عليها حب الوطن والديار.
فلن نهادن أبدا كل محتال ولا نصاب ولا من بالحرام يزكي حتى يتطهر، سنوظف أقلامنا فداك يا وطن، ونسلط خراطيم حروفها على جموع النصب وعلى كل من نالوا من شرفك العظيم، فنحن قوم آمنا برسالتنا، بأن نناهض كل أشكال الفساد، وأن نرفع الحصانة عن كل جلاد للعباد، فقط لأننا نحبك يا أغلى وطن، ولسنا مأجورين لأحد، ولم نقبض كغيرنا من أحد، ولا كرهنا ترابك الزكي يوما من الأيام، لكننا كرهنا التصرفات غير المسؤولة، لقيادات يقال إنها مسؤولة.
لذلك يجب على هذا الحب ألا يظل حبيسا في الصدور ومكنونات النفس، ونحصره في الشعارات والهتافات، وإنما ينبغي أن يترجم إلى واقع ملموس، وأفعال حقيقية تعبر عن صدق الانتماء، وتسهم فعليا في إعلاء مصلحته العليا ونهضته والعمل على رفعته.