للجهود الإغاثية خاصة في المناطق المنكوبة جراء الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين طبيعة مختلفة، في هذه الأماكن يصبح الإنسان وجها لوجه وصورا متناقضة من كتاب الحياة المفتوح، بين القوة والضعف، الموت والحياة، الوجود والعدم، وكل ما عليه أن يطلق لمشاعره العنان، فغالبا ومع الصدمة ستتولد قناعات، وتتبدد أخرى.
نتفق جميعا على أن ما حدث أثناء الزلزال الكارثي الذي ضرب تركيا وسورية كان شيئا مريعا، اهتز له الضمير الإنساني، فسارع لتقديم كل ما يستطيع، وفي هذه البقاع المشتتة نصب العمل الخيري رايته، ونشر هباته وعطاءاته لتعايش الأحداث على الأرض، متجاوزا العالم الافتراضي الذي تعوده الناس، فزاحم مبكرا، وبادر ملبيا، آخذا بأسباب البذل والعطاء ما وسعت الطاقة من أجل المبدأ، هذه القوة الرشيدة التي ملأت سيرتها الآفاق، تأخذ بيد المعسر، وتقضي حاجة المعوز، تكفل اليتيم والأرمل، تملأ البطون وتكسو العاري، تداوي المرضى، وتصون الإنسان من مواطن الذل والمهانة.
إن التجربة الطارئة تحفز الكيانات الخيرية كي تعتمد مشاريع تنموية طويلة الأمد، وتتلبس ثياب الاستدامة، والحق يقال، فإن العمل الخيري الكويت المتكئ على اسم الكويت وسمعتها الطيبة في المحافل الدولية، كان لحضوره الذي وعي هذه المفردات، وكرس وجوده ليلقي بظلاله على المشهد، ونحن هنا مع صحية التواجد الذي خلق هذه المكاسب، ورسخ بنيانها في الأرض، وأنتج الاهتمام الإعلامي ونجاحه في القيام بتعبئة الضمير العالمي والتأثير فيه.
لقد كان الحضور المنظم المدروس ـ في الواقع ـ السبب الرئيسي في إحداث الفارق، الذي لم يتكشف فقط في أثره المادي الملموس، بقدر التزامه بقيم الإنسانية، وفي وضع المعايير الأخلاقية التي تخطت حواجز العنصرية والتشرذم، لتستوعب آلام الإنسان أيا كان مشربه.
مكمن الاستعداد والجهوزية، تبرزه الحقول الخيرية التي كانت في وفرتها، جذوة رحبة تضيء السبيل للفقراء، منبعثة من نفوس نقية شربت الخير وتغذته، هي الوقود الذي أدار ماكينة المشاريع، وسمح لها قبل ذلك، بتعبئة شاملة كي تكمل الطريق.
إن إنسانية المساعدات الكويتية، محررة من قيود الهوى وضعف النظر، ما هيأ لها القبول الذي ترعرع في قلوب الناس، الذين عاينوا كيف أن الكويت لم تتخلف يوما عن قافلة الحياة، زاخرة عطاياها بكل معنى من معانيها.