القناعة في كل شيء مقبولة ومطلوبة، فلا يمكن لك أن تقبل أو تفعل أو تكتب أي شيء عن غير اقتناع إلا إن كنت مجبرا، وفي هذه الحالة فما كتبته لن يؤتي أكله ولن تكون له قيمة، أما فن الكتابة فهو فن جميل رائع ومتنوع تدخل فيه الموهبة إلى حد كبير، ويدعم بالثقافة وسعة الاضطلاع وإجادة اللغة العربية وإن كان معها الفطنة والذكاء وقوة التعبير يكون نتيجتها الإبداع والتميز، فالكتابة في الأساس من الفنون الأدبية الرائعة، وتحتوي في مضمونها على فكرة محددة تكون صلب الموضوع ومحوره.
وتعد الكتابة أقدم الفنون الأدبية وأساسها على الإطلاق، ولتنوعها يبرز من خلالها الأديب والكاتب والصحافي والمؤلف والشاعر وغير ذلك، ونظرا لأهمية الكتابة فقد خصصت جائزة نوبل لأفضل أديب في العالم، وهي الجائزة الأكبر بين الجوائز العالمية، وفي تاريخ الكتابة الإسلامية يعد أول من نبغ وتفنن وابدع وذهب بالكتابة كل مذهب عبدالحميد بن يحيى بن سعد العامري القرشي، بالولاء، المعروف بعبدالحميد الكاتب، فهو الأستاذ الأول للكتابة والبلاغة عند العرب بإجماع المؤرخين، وعلى يديه ارتقى هذا الفن وتشعب، وله رسائل في غاية الجودة والإتقان لم يسبقه إليها أحد، وكل من جاء بعده سار على نهجه واستقى من بئره، وكان يكتب لمروان بن محمد بن مروان آخر خليفة أموي، ثم قتله العباسيون معه مع سقوط الدولة الأموية سنة 132 للهجرة، وندم العباسيون على قتله لحاجتهم إليه، لكن بعد أن سبق السيف العذل.
ثم ضربت الكتابة بجرانها في كل العصور الإسلامية المتتابعة، ونبغ كتاب كثر لا يسعنا ذكرهم في هذا المكان، حتى وصل فن الكتابة إلى ما وصل إليه، ومع طول التجربة وكثرة ما قرأنا وطالعنا أصبحنا نعرف ونميز للوهلة الأولى من يكتب عن قناعة ورضا بما يكتبه، ممن يكتب عن غير قناعة ورضا، والفرق بينهما كبير، كما عرفنا أيضا الموضوع الحي النشط المؤثر، من الموضوع الرتيب الممل وغير المؤثر، فالكتابة عن اقتناع تعطي نتيجة إيجابية، وتصل بك إلى الهدف الذي تريده، كما أننا لا نمل قراءتها، وربما عاودنا قراءتها مرة ثانية، لوضوح الطرح وبروز الهدف وموضوعيته وسلاسة المعنى.
أما الكتابة بلا اقتناع فلا تشدك إليها ولا تثير اهتمامك، ولا تلفت انتباهك، بل انك تترك محتواها من مطالعتك السطر الأول فيها، فليس مقبولا ولا مستساغا أن تكتب عن غير اقتناع، وكأنك مجبر على ذلك، لأنك في هذه الحالة لن تقنع أحدا بما تقوله، أما إذا كتبت عن قناعة فلا شك أنك ستحقق الهدف الذي كتبت من أجله، وتصل إلى ما تريد، وسيكون موضوعك مقروءا، فعليك أن تكون راضيا عما تكتبه، مقتنعا به تمام الاقتناع كي يكون المتابع راضيا أيضا ومقتنعا، وإن أردت أن تكون كاتبا ناجحا فتجرد من أهوائك وميولك وتوجهاتك، واكتب بضمير حي، ولا تمل مع طرف على طرف.. هذا ودمتم سالمين.