بمنتصف الشهر الكريم خلال العام 1955، تجمعنا أطفال مرحلة الابتدائي، ونسكن بقرية «حولي»، قبيل نظام المحافظات، وقد تجمعنا حينها بالفريج وتحديدا خلف مزرعة الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه، والآن موقع مول الرحاب التجاري، و«قرقعنا» بالناي والطبلة على فريجنا وبيوتنا التي كان من الطين ببساطة العارفين للقرقيعان وخلطاته من تين ناشف وتمر سلوق وما هو موجود آنذاك من وجود خردة «ميتاليك» وهي عملة هندية تصغيرا للروبية آنذاك قبل الاستقلال وصدور عملتنا الرسمية الدينار.
وفي النهاية كنا نتجمع عند كبير الفرقة ونوصل له ما جمعناه، ليقوم بتوزيعه علينا بالتساوي تغمرنا فرحة ذلك الموسم وتوازيه للبنات بروح الأسرة الواحدة، والشهامة الأخوية للحماية المطلوبة للجميع بحدود فريج الجماعة وعودة مواسمها الرسمية عاما بعد عام، داخل الإمارة وخارجها، أخوة ونخوة.
وفي أحد أيام القرقيعان بذات المنطقة (حولي)، اقتربنا من أحد الأكواخ وكان يطلق عليه شعبيا «عشة» أو «كبر»، كان يسكنه عجوز وزوجته للقيام بحراسة المزرعة كما فهمنا منهما، وطلبوا منا أن نقرقع عليهم ولنا هدية خاصة منهما، فتشمرنا وصوتنا بالصوت الرفيع، دور للأولاد، وآخر للبنات، كل بأهازيجه المعروفة، وانتهت وصلة «سلم ولدهم يا الله».. والبنات يرددن «قرقيعان × قرقيعان»، وساد الصمت المكان بانتظار هديتهم فكانت مفاجأة للجميع بعد فتح الأكياس، حيث كانت الهدية جرادا مسلوقا ومجففا بالملح بعد الماي، وكانت فرحتنا لا توصف لتلك الهدية الخاصة توازي اليوم البطاطا المقرمشة بالملح والشطة، والنتيجة تم أكلها أثناء العودة قبل توزيعها الجماعي المعتاد!
هذا من ماضينا السعيد مقارنة بما يتم اليوم من النصف من رمضان بليلة القرقيعان، وتطورات ترديد وأداء أهازيج الاحتفال بالنص من رمضان لتوديعه بحزم أطفال وشباب المناطق ووسائل الإعلام لكل دولة طبيعة احتفالها بالعالم الإسلامي، هكذا نزود أجيالنا بعمق تراثنا وعميق ماضينا بلا تشكيك للنوايا عن مصدرها مادامت تعني فرحة المناسبة، عساكم تعودونا.. وكل سنة تصومونه.