انعكس الانفتاح الكبير في الاقتصاد الدولي على الأسواق المحلية التي أصبحت ترتبط ارتباطا مباشرا بقواعد العرض والطلب العالمي، وهذا أثر على العلاقات الدولية الحالية والتي أخذت تتقارب إلى حد ما مع مفاهيم العلاقات الإنسانية من حيث التعامل مع الأطراف المماثلة، فسياسة الحياد الرمادية هي سمة العلاقات الحاضرة بقوة على الساحة الدولية، لتجنب متطلبات الصداقة وتوترات العداوة.
فالدول الآن على يقين تام متى ما كسبت جولة في صراع ما لأجل المصالح بأسلوب عدائي كلما نزلت من سلم المكانة الدولية، وفي المقابل تحظى الدولة الأخرى صعودا لكسبها تأييد المجمع الدولي، وهذا ما أسس به «قاعدة السلم» في مفهوم العلاقات الدولية، والتي تعكس مدى النضج في مستوى العلاقات بين الدول وقراءة استباقية لمجريات الأمور لإمكانية تسييرها أو العدول عنها.
فحصر أوجه الاختلاف في ملف واحد يتم التفاوض فيه، وفتح باقي القنوات للتعاون هي الآلية الحديثة لتداول المصالح العامة لكل دولة على حدة، فالاقتصاد العام الدولي ربط سياسات الدول مع بعضها بطريقة تحرص فيه كل دولة على سيادة إقليم الدولة الأخرى حفاظا على مصالحها المحلية واستمرارها، وهذا ما تعيه جيدا الأجهزة الأمنية لبعض القوى الدولية الكبرى التي تنتهج لعبة الإفشاء بين الحين والآخر من نشر تسريبات داخلية وخارجية لدول أخرى للتأثير على تعاملاتها ومصالحها، ما يشعل زعزعة أمنية وأزمة ثقة في علاقاتها مع أفرادها ومع الدول الأخرى، إلا أنه مع زيادة الوعي الجمعي افتقدت هذه الأدوات فعاليتها المعهودة عليها، ما يستوجب عدم الاكتراث لها، مع السعي نحو تفعيل إدارة دولية تنتهج الرمادية بمعناها الحيادي في العلاقات وتحركها المصالح وليس الأيديولوجيات الشعبوية أو النخبوية.
[email protected]