الصداقة مشتقة من الصدق وهي رابطة مودة ومحبة وإخلاص وبر بين شخصين، وقد ضرب لنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه أروع الأمثلة في صداقته للنبي صلى الله عليه وسلم وإخلاصه له، وكذلك الحال بالنسبة للفاروق عمر رضي الله عنه، فعندما أحس بالموت طلب الإذن من أُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأن يدفن إلى جانب صاحبيه فأذنت له.
وقد سأل هارون الرشيد مالك بن أنس بأن يصف له منزلة أبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: منزلتهما منه في حياته مثل منزلتهما منه بعد وفاته، قبرا إلى جانبه، فقال الرشيد: شفيتني يا مالك، ولا خير في صداقة لا وفاء بها.
ذكر الحمدوني في تذكرته أن مالك بن عمارة اللخمي قال: كنت أجالس عبدالملك بن مروان في ظل الكعبة قبل أن يلي الخلافة، فلا أجد عند أحد مثل ما أجده عنده من الاتساع في المعرفة والتصرف في فنون العلم وحسن استماعه وحلاوة لفظه، فقلت له ذات ليلة: والله إني لمسرور بك، فقال لي: إن تعش فسترى العيون طامحة إلي، فلا عليك أن تعمل إلي ركابك فلأملأن يديك.
فلما أفضت الخلافة إليه شخصت أريده فوافقته يخطب يوم جمعة، فلما وقعت عينه علي أعرض عني، ولما قضيت الصلاة دعاني الحاجب وأخذ بيدي وأدخلني عليه فبش في وجهي وأكرمني عشرين يوما ثم أمر لي بعشرين ألف دينار وكساني وحملني، وقال: لا خير فيمن لا يفي لصديقه. وللصداقة الحقيقية ضوابط علينا الأخذ بها أهمها التناصح والإخلاص والإيثار والنبل والعفاف والأمانة وغير ذلك.
وما نلاحظه هذه الأيام أن الصديق الحقيقي أصبح عملة نادرة، لأن الكثير من الناس غرتهم المادة فصاروا يجرون وراء مصالحهم الشخصية ولا يلتفتون إلى هذه الأمور ولا تعنيهم شيئا، وعند حاجة الصديق لصديقه يجده كقول الإمام الشافعي:
ما أكثر الأحباب حين تعدهم
لكنهم في النائبات قليل
وأشد ما يقع على النفس ويؤلمها أن يتخلى الصديق عن صديقه وقت حاجته الماسة له، والأشد أن يكون ظن به الخير فخيب ظنه، ولا أبالغ إن قلت لكم إن الصداقة هذه الأيام أصبحت في الإفاقة. ودمتم سالمين.