علمتني الحياة.. أن هناك صنفا من البشر لو أحسنت إليه الدهر كُله ثم بدرت منك زلة بســـيطة ألقى عنهُ قناعهُ، وأراك وجههُ الآخر، فيغضب ويثور ويصرخ في وجهك ويزعل، وإذا لقاك فلا يُسلّم عليك، يتناسى العشرة الجميلة والطويلة، ويتناسى العيش والملح، والإحسان، يكون جزاء المعروف نكرانه ومقابلته بالإساءة.
علمتني الحياة ألا أحزن وأندم وأتضايق وتــذهب نفــسي حسرات على من «بــاعني» رخيصا من أجل غلطة. بل أحمدُ الله سبحانه وتعالى وأشكرهُ دائماً، لأنه كشف لي حقيقتهم، ومعدنهم «الرانقول».
فهؤلاء النوعية من البشر يصدق فيهم قول الشاعر:
ومن يصنع المعروف في غير أهله
يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر
فما قصة هذا المثل؟
يُحــكى أن مجــموعة من الـــرجال خرجوا للصيد، فعرضت لم أنثى الضـــبع أم عامر، فطاردوها.. فهربت والتجأت إلى بيت رجل من الأعراب، فلما رآها أشفق عليها من الحر الشديد والتعب، ورأى أنها استنجدت بهِ مستجيرة، فخرج حاملاً سيفه بوجه الرجال الذين طــاردوها ويريدون صيدها، لكنهُ رفض طلبهم ورق قلبه على أم عامر التي استجارت به.
انصرف الرجال، ونظر الأعرابي إلى أم عامر فوجدها جائعة، فحلب شاته وقدم لها الحليب والمــاء فشربت حتى ارتدت عافيتها.
في اللـــيل نام الأعرابي مرتاح البال فـــرحاً بمساعدتهِ أم عامر وإحسانه لها.. لكن أم عامر نظرت إليه وهو نائم ثم انقضت عليه وبقرت بطنه، وشربت من دمهِ، ثم تركته وسارت.
في الصباح أقبل ابن عم الأعرابي فوجدهُ مقتولاً، وعلم أن القاتلة هي أم عامر، فذهب يبحثُ عنها حتى وجدها فرماها بسهم فماتت. وأنشد أبياته المشهورة التي صارت مثلاً يروى: ومن يضع المعروف في غير أهله يــلاقي الذي لاقى مجيرُ أم عامر.
٭ اقرأ واتعظ: «اللهم اكفنا شر غدر البشر، وسواد قلوبهم، ونسيان العشرة، وقلة المعروف، واحفظنا يارب من شر حقدهم، وحسدهم وغلهم».