لذة العيش تعني الشعور بالراحة والاطمئنان، وهذا رأي عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وكل يرى لذة العيش من منظوره الخاص، فهذا الزاهد العابد إبراهيم بن أدهم يقول: لو علم الملوك وأبناء الملوك مانحن فيه من السعادة والسرور بطاعة الله لجالدونا على ذلك بالسيوف.
والحقيقة أن لذة العيش مقرونة بالرضا والقناعة، فمتى رضي المسلم وقنع كان في أحسن حالاته، والتوفيق من الله تعالى. وليس منا أحد إلا ويتمنى أن يكون مرتاح البال، ولكن رياح الدنيا وأعاصيرها وحوادثها المؤلمة تأبى علينا ذلك، فالسعادة والشقاء والفرح والحزن بيد المولى عز وجل، فما كل ما نريده يتحقق لنا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» (رواه الترمذي).
ومن الحكايات التي تناسب عنوان هذا العمود ما روي عن الجارية المدنية سلامة القس، فقد روي أنها كانت أحسن الناس وجها، وأتمهن عقلا، وأحلاهن حديثا، قالت الشعر وروته حتى طبقت شهرتها الآفاق، فكان عبدالرحمن بن حسان بن ثابت والأحوص بن محمد وهما من شعراء الدولة الأموية، يختلفان إليها فيرويانها الشعر وينشدانها القصائد، فأحبت الأحوص وصدت عبدالرحمن، فقال لها عبدالرحمن:
أرى الإقبال منك على خليلي
ومالي في حديثكم نصيب
فأجابته سلامة:
لأن الله علقه فؤادي
فحاز الحب دونكم الحبيب
فقال الأحوص:
خليلي لا تلمها في هواها
ألذ العيش ما تهوى القلوب
وقد سبقه إلى هذا المعنى قيس بن الملوح فقال وهو الأشهر:
وكم في الناس من حسن ولكن
ألذ العيش ما تهوى القلوب
إذا كان المحب قليل حظ
فما حسناته إلا ذنوب
ودمتم سالمين