@Lines_title
عندما نتحدث عن الصحة النفسية فإننا نجد أنه لا صحة نفسية صرفة لإنسان، فهو يتعرض يوميا لاعتلال الشعور، في قوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، والكبد هو التعب والشقاء، وحياة الدنيا كلها شقاء والجانب المرفه منها أطلق عليه القرآن الكريم بحياة اللهو والغرور، وتبقى الأخلاقيات الصرفة التي حث عليها ودعا إليها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هي التي تؤمن للفرد الثبات في صحته النفسية والتي تكون من خلال شعوره باتزانه الداخلي وصفاء ذهنه، وتلك القيمتان السابقتان لا تكمنان إلا إذا رجعنا قليلا للحياة الطبيعية دون اصطناع، والذي أعنيه التكنولوجيا وما تركت في حياتنا من بصمات انعكس علينا بالانشغال الدائم ومن ثم تشويش الذهن، وبالتالي زيادة معدلات التوتر والقلق واعتلال المشاعر، بسبب ذلك الانفتاح العالمي الكبير والانشغال بالواقع الافتراضي المرهق للنفس.
وعليه، فإننا اليوم كمسلمين علينا المقاومة من خلال التنظيم الجذري للسلوكيات الحياتية الروتينية، ولا يتحقق ذلك التنظيم إلا عن طريق الرجوع للحياة الطبيعية التي تربينا عليها قبل ما يقارب الثلاثين عاما مضت، حيث الحياة الاجتماعية ذات الطابع التفاعلي الطبيعي المباشر بدلا من الافتراضي، والمناقشات والحوارات العائلية والتجمع على ولائم الطعام... إلخ من قيم تلك الحياة التي فقدتها الكثير من الأسر اليوم.
فمنذ أيام قليلة مضت كان اليوم العالمي للصحة النفسية، والذي ألقى العالم الطبي له اهتماما كبيرا لتكاثر الاضطرابات النفسية في هذا العصر والذي انعكس بدوره على انتاج الأسر للمجتمع.
فالحمد لله على نعمة الإسلام أولا وآخرا، حيث إننا نمتلك كنزا يفتقر له العالم الآخر ألا وهو القرآن الكريم، ففي سورة الإنسان دعوة لتدبر قيم التفاعل البشري الذي يؤمن مقومات الصحة النفسية ألا وهي «الاطمئنان والراحة والأمن والاستقرار النفسي» في قوله تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا - الإنسان:3)، حيث إن الله يذكر في سورة الإنسان المفاضلة بين الشاكر العابد المؤمن والكافر ومصير جزائهما بالآخرة، ولو تمعنا في الآيات فقد ذكر الوفاء بالنذر وإطعام الطعام دون انتظار المقابل من الطرف الآخر، ولم يذكر الله عز وجل قيمتين دونهما، وهذا يعني أن القيمتين هما قمة الإنسانية في السلوكيات الخلقية التي تؤمن سعادة الفرد وصحته النفسية، في قوله تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا - الإنسان: 7-9).
ومن خلال الآيتين السابقتين نجد أن القيمتين السلوكيتين هي أصل الإنسانية الراقية والسعادة التي تكمن في العطاء المستمر، حيث إننا نجد الأفراد الذين يقومون بالأعمال الخيرية هم أكثر سعادة وصحة نفسية من غيرهم، أما بالنسبة للتفاعل البشري كمهارات اجتماعية سلوكية في صد أذى الناس الذين يتسببون في اعتلال النفس، نجد القرآن الكريم يدعو في سورة الإنسان نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله: (فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا - الإنسان: 24-26)، وعليه نجد قيم «الصبر والصلاة والتسبيح» هي أصل الاتزان الداخلي الذي يحققه الاطمئنان والراحة في قوله تعالى: «ألا بذكر الله تطمئن القلوب».
واختتم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم».