أصبحت مهنة التسول لدى بعض الأشخاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي طريقة جديدة للخداع والتحايل للحصول على الاموال او الغذاء وهو ما يفرز اثارا اجتماعية واقتصادية تضر المجتمع، وهؤلاء المتسولون المحتالون يجيدون استخدام العبارات والكلمات المؤثرة وتقديم تقارير كاذبة لدعمهم، وهذه الظاهرة في تزايد والعقوبات لها غير رادعة، فما رأي الشرع ورأي القانون في ذلك؟
يؤكد د.بسام الشطي أن الإسلام غرس في نفس المسلم كراهة السؤال للناس تربية له على عزة النفس والترفع عن الدنايا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصح عن ذلك في وصف المبادئ التي يبايع عليها صحابته ويخصها بالذكر ضمن أركان البيعة حين قال قائل: يا رسول الله إنا قد بايعناك فعلام نبايعك؟ قال: «أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وتصلوا الصلوات الخمس وتسمعوا وتطيعوا»، وأسر كلمة خفيفة قال: «ولا تسألوا الناس شيئا».
وذكر د.الشطي أدلة منع حرفة التسول بكل أشكالها سواء مباشرة او عن طريق وسائل التواصل وغيرها، منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لايزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم». وقال: «من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أحدكم حبله فيحتطب على ظهره فيتصدق به على الناس خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه».
وطالب د.الشطي المسؤولين بمنع هذه الظاهرة والأخذ على أيديهم ولا تأخذ العاطفة والرأفة والشفقة بأولئك المتسولين وعلينا التصدي لتلك الظاهرة المنتشرة والقضاء عليها وعدم الالتفات لتلك الإعلانات المزيفة.
بين الحقيقة والاحتيال
من جهته، يبين الكاتب الإسلامي م.سالم الناشي حقيقة التسول فيقول: يعمد كثير من المحتاجين إلى استخدام منصات التواصل الاجتماعي لبيان حاجتهم وفقرهم، خاصة في البلاد التي تشهد حروبا أو كوارث. ودواعي الحاجة تأتي من كونهم فقدوا المعيل ولديهم أطفال، أو أنهم يعانون من الإعاقة أو المرض وأنهم يحتاجون مصاريف عمليات خطرة وعمل أشعة وفحوصات وأدوية.
وقد يزعمون أنهم بحاجة إلى أجهزة طبية تعينهم مثل الكراسي الطبية، ومنظمات القلب، وغسيل كلى، وغير ذلك.. كما يلجأ البعض إلى القول بأنه لا يجد ما يأكله، وأن عليه إيجارات يجب أن يسددها وإلا ألقيت أمتعته في الشارع، أو أن أبناءه لا يستطيعون الذهاب للمدرسة بسبب عدم تسديد الرسوم المدرسية.. وهكذا!
وهم بهذا يستغلون مواقع التعارف والزواج لبث همومهم وشكواهم، والواقع أن الحقيقة تختلط بالكذب والاحتيال، ومهما تم التدقيق فهناك دائما تبرير بأن ما قيل هو الحقيقة. وبعض الحالات المؤسفة أن يكون هناك فعلا إنسان يحتاج إلى مساعدة وخاصة الإعاقة أو المرض الشديد أو كبر السن، ولكن تغلف هذه الحالات بالمبالغة والتهويل وطلب أموال أكثر بكثير من الحالة.
وعلى الإنسان الذي يريد تقديم المساعدة أن يتأكد بنفسه من الحالة وأنها فعلا تحتاج إلى مساعدة، وهناك عدة طرق لإثبات ذلك. ومع الأسف مثل هذا النصب والاحتيال بدأ في زعزعة الحد الفاصل بين المحتاجين الحقيقيين والمحتاجين المزعومين.
ولعلاج مثل هذه الظواهر ينبغي أن تكون المساعدات من خلال الجمعيات الخيرية المرخصة والموجودة في بلد المحتاج، أو إرسال شخص ثقة من جهة المتبرع لكي يتفحص الحالة ويدقق عن مدى حاجتها، وبالتالي يطمئن إلى أن الحالة صحيحة، وأنه ليس هناك حالة نصب أو استغلال.
ويجب ألا تدخل العاطفة في مثل هذه الحالات، لأن الأولى مساعدة المحتاجين على الحقيقة وليس المحتالين، كما أن المتبرع لديه أموال محدودة ينبغي صرفها على مصارفها المشروعة بأن تذهب إلى المحتاجين وليس غيرهم.
الشرع يُحذِّر
وحذّر ديننا من إهمال الفقير وعدم مساعدته بطرق مختلفة، بل أوجد قنوات كثيرة لمساعدة الفقير تصل إلى حد الفرض كالزكاة والتي هي ركن من أركان الإسلام، قال تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين - سورة البقرة: 43)، وقال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون - التوبة: 11). ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا نحو اليمن يعلمهم الدين قال له: «.. فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم، تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس».
وقد حث ديننا على الصدقة، فقال تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير - البقرة: 271)، وقال تعالى: (إن المصدّقين والمصدّقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم - الحديد: 18). قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول». وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أن تصدق وأنت صحيح حريص، تأمل الغنى، وتخشى الفقر..».
وحذّر النبي صلى الله عليه وسلم من عدم مساعدة الفقير أيما تحذير، فذكر أقواما ينزلون إلى جنب جبل، ويسير الراعي بغنم لهم، وفي أثناء ذلك يأتيهم الفقير يسألهم الحاجة، فيردونه ويقولون: «ارجع إلينا غدا»، وهم يقصدون بذلك ردّه حتى لا يعطوه شيئا، فيأخذهم بالعذاب وهم في الليل، ويوقع الجبل عليهم فيهلكهم. قال صلى الله عليه وسلم: «..ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله، ويضع العلم».
من هذا المنطلق يندفع كثير من الناس في مساعدة الآخرين ولكن يجب عليهم الحرص والسؤال، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لست بالخب، ولا الخب يخدعني»؟، أي لست مخادعا ولا المخادع يخدعني. وحذّر النبي صلى الله عليه وسلم من أن يسأل أحدهم الناس وهو غير محتاج، قال صلى الله عليه وسلم: «ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم». وقال صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمر جهنم فليستقل منه أو ليكثر».
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من طلب من الناس إعطاءه من أموالهم دون حاجة أو فقر منه، وإنما يطلب المال لزيادة ماله وتكثيره، فإن نتيجة هذا السؤال أن يكون هذا المال في الآخرة جمرا يصلى به، وهو كقوله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا - النساء: 10). وتحرم المسألة بلا حاجة، وأشد من ذلك الكذب رجاء الحصول على المال، ومن فعل ذلك فالواجب عليه التوبة إلى الله ورد ما أخذ من مال إلى أصحابه.
جريمة النصب
ومن الجانب القانوني، يقول المحامي منصور السويلم: يواكب المتسولون التطور الذي نعيشه، حتى لا تندثر مهنتهم، فمظاهر التسول قديما كانت بالمساجد وعلى الطرقات وفي الأسواق، أما اليوم فأصحبت منظمة أكثر ولا يكتفون بالسؤال، بل بالسرقة أيضا من خلال استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة.
والقانون يعاقب المتسول الذي يحتال على الناس ويذكر وقائع غير صحيحة عن حاجته ومرضه باستخدام وسائل احتيالية كأوراق مستشفى مزيفة تفيد بمرضه، أو يثبت بأوراق مزورة عن عدد الأبناء الذين يعولهم. فيدفع الأشخاص إلى التبرع تحت تأثير هذا الاحتيال، ويقوم باستخدام الوسائل التكنولوجية للحصول على أرقامهم للتواصل معهم ومن ثم الحصول على أموالهم من خلال رابط الدفع، وقد يتعرضون بعد إجرائهم لعملية الدفع إلى سرقة كل ما يوجد في حسابهم البنكي.
في هذه الحالة يعاقب القانون المتسول بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها بالمادة «232» من قانون الجزاء «بالحبس مدة لا تتجاوز 3 سنوات وبغرامة لا تتجاوز مائتين وخمسة وعشرين دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين».
أما إذا قام بسرقة حساب المتبرع بعد قيامه بعملية الدفع فإنه يعاقب بالمادة «5» من قانون رقم 63/2015 بشأن جرائم تقنية المعلومات: «بالحبس مدة لا تتجاوز 3 سنوات وبغرامة لا تقل عن 3 آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين».
ولكن ظاهرة التسول كظاهرة عامة لا يوجد نص جزائي يجرمها. اللهم إذا قام الشخص بالشكوى الجزائية أمام الجهات المعنية لوقوعه ضحية نصب، وهو ما يعد ثغرة قانونية تحيي ظاهرة «التسول» من جانب، وبوابة للوصول إلى حسابات الأفراد البنكية والاستيلاء عليها من جانب آخر.