بيروت ـ جويل رياشي
تحت الطريق الداخلية في بلدة الفريكة المتنية، يقع منزل الدكتور أمين ألبرت الريحاني التراثي القديم بين منعطفين، وتحته في الطبقة السفلى المتحف الخاص بعمه الأديب والمؤرخ والرحالة أمين الريحاني 1876 ـ 1940 المعروف بـ«فيلسوف» الفريكة.
المنزل الجميل كان متحفا دشن في حفل كبير في 1953، بعد 13 سنة على غياب الريحاني، إثر سقوطه عن دراجة هوائية استعارها «الأستاذ أمين» من أحد شبان القرية، واصابته السقطة بكسور سرعان ما غلبته.
لم تتأخر العائلة كثيرا في تحضير متحف يضم أعماله، الكبير أمين الريحاني، أشهر ادباء المهجر بعد جبران خليل جبران. وجمعت مناسبة افتتاح المتحف آنذاك أصدقاء الريحاني وزوجته الأميركية برثا كايس. وقد طلب منها شقيقه ألبرت تمضية فصل الصيف كاملا في الفريكة. استغربت الرسامة المعروفة الدعوة على رغم انفصالها عن الريحاني وطلاقهما. ولكنها حضرت وأمضت الصيف في بلدة «زوجها السابق»، وطلبت ان يوضع رمادها بعد موتها قرب ضريحه في الشاوية على مدخل الفريكة صعودا لجهة بيت شباب. وهكذا كان.
المعلومات مستقاة من الدكتور أمين ألبرت الريحاني، الأكاديمي والباحث والاستاذ الجامعي ابن الـ 81 سنة الذي تولى بشغف مهام الشرح عن المتحف الخاص بعمه وموجوداته، لمجموعة زوار من كلية الآداب في الجامعة اللبنانية بمبادرة من الدكتورة زينة الرياشي. حمل مصباحه الالكتروني الصغير للدلالة بالضوء على المقتنيات المعروضة، وتولى الشرح والإجابة عن الأسئلة.
الجولة في متحف أمين الريحاني ليست مجرد زيارة للاطلاع وقراءة الشروحات. هي تجربة ثقافية مميزة تأخذ الزائر في رحلة عبر التاريخ من خلال مجموعة كبيرة من اللوحات الفنية والمخطوطات والمقتنيات الشخصية.
يعرض الدليل لمسيرة الريحاني المهنية واسفاره وعلاقاته وأجزاء من حياته العائلية، علما ان من يحمل اسم عمه (الدكتور أمين ألبرت) ولد بعد سنتين من رحيل «الفيلسوف». لكنه تعلم من والده ألبرت ضرورة عدم رمي أي شيء من مقتنيات العم. «نجمع، نوثق، نحافظ. هكذا طلب الينا الوالد». ويشير الى استمرار طبع كتب عدة للراحل بعد غيابه. ويتطرق الى رسومات بورتريه للريحاني بريشة جبران خليل جبران. أربع منها معلقة على حائط في المتحف، «وهي نسخ، ذلك ان الأصلية موجودة في متحف جبران (في بشري)، الى سبع صور في أميركا لا نزال نبحث عنها».
المتحف انتقل في 1986 الى الطبقة السفلية للمنزل، التي كانت سابقا اسطبلا للخيل: «بيت عقد» مجهز بأدوات خاصة لسحب الرطوبة. وفي قاعة جانبية وضع المغطس الذي كان يستحم فيه الريحاني، فضلا عن مقتنيات شخصية ومعروضات من هدايا بينها سيوف من الملك عبدالعزيز آل سعود، والشيخ أحمد الجابر الصباح (في 1924)، ومكتب الريحاني الخشبي الخاص الذي شحنه من أميركا في 1902، وطابعة بالحرف الأجنبي ومحابر استخدمها للكتابة بالعربية.
عالم أمين الريحاني المتشعب اختصر بنبذة متقنة في متحفه تروي عن الفيلسوف الذي جاب الكون، وأسس لـ«أدب الرحلة»، ووصل بين الشرق والغرب، وكان خير سفير لتظهير التراث والحضارة العربيتين.
قد تكون الأوضاع المادية الميسورة للعائلة «أبا عن جد» (عبارة لبنانية شائعة في إشارة الى العراقة العائلية) وراء «القوة في جمع أعمال أمين الريحاني، وفتح متحف لائق بمواصفات عالمية أمام العموم».
ولا شك ان هذا المتحف وضع الفريكة على الخريطة الثقافية اللبنانية ويستحق الزيارة... أكثر من مرة.