[email protected]
وصلت الأردن في شتاء يوم قارس، لم أكن أعرف كيف أتعامل مع هذه الغربة التي تبدأ منذ وصولي، ولا أعلم إلى أين منتهاها، في الأيام الأولى لمحاضراتي الجامعية، سألت الدكتورة التي تعطينا مادة «حقوق الإنسان» إذا كان أحد من الطلبة الحاضرين يحمل جوازا «اسرائيليا»، رفع أحدهم يديه، كان فلسطينيا بالطبع، استغربت كثيرا وتعجبت، لم أكن أعلم أن الكيان الغاصب بدأ بإصدار جوازات سفر تحمل اسم كيانهم اللقيط، ويا سبحان الله كيف تجتمع الخطوب.
أول مشهد سياحي أزوره وقتها كان «شارع الستين» حين أخبرني أحد الأصدقاء بأنه المكان الذي يطل على فلسطين تحديدا نابلس وجبال الخليل وبعد فصل واحد كنت سآخذ ماده اختيارية اسمها «التربية الوطنية» كان يجب علي أن أختار موضوعا معينا وأكتب عنه لنقدمه للدكتور نهاية الفصل، ذهبت إلى مكتبة الجامعة لأجمع مصادري عن الموضوع، كان في ذهني أن أكتب أي شيء أجده صالحا للتقديم ويتعلق بفلسطين وعندما وقعت يداي على مسودات وكتب نام التراب عليها طويلا تتكلم عن الفلسطيني عبدالقادر الحسيني (1908-1938) وعن نضاله وعن طريقة استشهاده التي تكشف لقارئ أحداثها العمالة التي طالت الكثير من الجهات التي نشعر أنها يجب أن تقدم الكثير للقضية الفلسطينية، لا يمكن أن أصف حجم الحزن والخيبة حين سقطت يداي على هذه الكتب والوثائق، داخلني شعور سريع كردة فعل، يجب أن أكتب عملا روائيا عن هذه الشخصية لما حصل لها من ظلم وتخاذل ونسيان، لا أعلم لماذا لجأت إلى الأدب كوسيلة للتعبير عن الغضب، كانت كل هذه الأسباب التي قدمتها سببا في أن أعتقد أنني لست طالبا مبتعثا للدراسة بل طالبا مبتعثا لأكون قريبا من الأرض المقدسة التي طالها الاحتلال، لأشعر أن أرض ناجي العلي ومحمود درويش وغسان كنفاني عصية على الكافرين ذليلة على المؤمنين، كل هذه الأسباب جعلتني أشعر أنني ولدت في زمن لا أنتمي إليه، أنني قريب من فلسطين ومن القضية الفلسطينية، وها هي الفرصة المواتية تأتي أمامي لأعبر عن غضبي الذي ولد معي وتعلمته في مدارسنا ومناهجنا الحكومية في الكويت ضد الصهاينة، والفرصة كانت عام 2017م عندما أعلن ترامب أن القدس عاصمة ما يسمى «اسرائيل» حينها خرجنا مظاهرات في الجامعة نندد بقرارات ترامب ولأن القوى الطلابية في الجامعة دائما ما تكون كلمتها مسموعة لدى كل المسؤولين وحتى قادات الشعوب، خرجنا إلى الشوارع أيضا، وقتها أمرت الحكومة الأردنية بتغيير اسم الشارع الذي خرجنا إليه إلى اسم «القدس عربية» وها هي الأيام تمضي مثلما ترون، لتعود الغصة واللوعة على أهل فلسطين ولكن هذه المرة بظروف مختلفه، فأنا الآن أحمل شهادة جامعية وأزاول مهنتي في بلدي ولدي الآن بنت جميلة، لكن لاشيء يتغير في فلسطين.
فالتربة مازالت حمراء قانية، الطفل هناك ليس سوى خبرا في صورة أشلاء، وزوايا الجدران العتيقة معلقة عليها أصواتا هشة، الملائكة تنزل، وأرواح تصعد، يستغرب الموت كيف يخطف صاحبها، شجرة الزيتون لا تكبر، والتين هناك مر لا يستساغ.
في بلدي كل شيء يتغير.. في فلسطين لاشيء هنالك يكبر!!