هذه مقولة صحيحة وقد أصاب صاحبها كبد الحقيقة من واقع تجارب الحياة، وهناك مثل يشبه هذه المقولة المشهورة يقول: لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، فكل له ذوقه في اختيار ما يريد شراءه من السوق، وكذلك القول الآخر: رضا النفس هواها، والعجيب أن كثيرا من الناس يظن أن هذه المقولة مثل من الأمثال السائرة ولكن الحقيقة خلاف ذلك، فهو شطر بيت شعر جعله الناس مثلا دارجا، وصاروا يتمثلون به واشتهر شهرة واسعة، كما أن بعض الناس يعتقدون أن أول من قال «للناس فيما يعشقون مذاهب» ابو فراس الحمداني استنادا إلى قوله في قصيدة:
ومن مذهبي حب الديار لأهلها
وللناس فيما يعشقون مذاهب
وهذا خطأ ووهم غير مقصود فقد سبقه إلى ذلك بشار بن برد بسنين كثيرة، حيث قال:
تعشقتها شمطاء شاب وليدها
وللناس فيما يعشقون مذاهب
وبالعودة إلى هذه المقولة فالحقيقة أن لكل إنسان هوى ووجهة نظر فيما يحب ويرغب، والناس مختلفة في ذلك، وهذه المقولة صحيحة 100%، فالأخوة الأشقاء تختلف أذواقهم وتوجهاتهم، انظروا إن شئتم الى الرئيس الفرنسي الأسبق ماكرون كان يبلغ من العمر أقل من أربعين عاما في وقت زواجه من معلمته بيريجيت ترونيو التي وصل عمرها 64 عاما، ولكنه أحبها حبا شديدا وتعلق بها، رغم فارق السن الكبير بينهما، فالحب لا يفرق بين صغير وكبير، وهناك أيضا من يشتري حمامة لا تزن كيلوغرام بسبعين ألف دينار وتراه يحملها وهو في غاية الغبطة والسرور وكأنه اشترى طائرة، فالناس كل ورغبته ولولا هذا الاختلاف بين الناس لكسدت الاسواق وأغلقت المحال ابوابها، وهذا أيضا يهودي اسمه سلاموفيتش حزن حزنا شديدا على مقتل الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي، رحمه الله، وهذه من العجائب، والسبب في هذا الحزن أنه كان صديقا له بالمراسلة على مدى 20 عاما.
وعلى الضد من ذلك هناك أناس لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، وهم المنعزلون على أنفسهم لا يرون شيئا جميلا في هذه الدنيا، ومن هذه العينات من يترك الأهم ويتشبث بالمهم، وتعجبه صغائر الأمور، ومن تأمل الدنيا يرى فيها العجب العجاب.
ودمتم سالمين.