دمشق - هدى العبود
تلقت «الأنباء» دعوة من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق لحضور حوار ملتقى الإبداع مع المسرحي الذي استضاف الممثل الكبير زيناتي قدسية انطلاقا من حرص المعهد على الاهتمام بالمبدعين وأصحاب التجارب السابقة في الفن والواقع الدرامي والمسرحي السوري والعربي، لينهل الطلبة من علمه ويستزيدوا من نتاجه الفكري وليطلعوا على مسيرة فنية حافلة.
أدار اللقاء الناقد والإعلامي سعد القاسم مرحبا بالضيف والطلبة وكل من حضر، مشددا على أنه وأبناء جيله من المحظوظين لأنهم عايشوا فترة نهضة المسرح وعصره الذهبي والتي كان ولا يزال زيناتي قدسية من أبرز روادها وألمع من حمل رسالتها.
من جانبه، تحدث قدسية عن فترة بداية دخوله عالم المسرح بطريقة عفوية وقريبة من القلب، مشيرا إلى أن لكل فرد فينا صندوقا أسود لا يعلم ما فيه أحد إلا صاحبه، وهو ما وصف به بعض القصص أو المواقف التي عاشها سابقا والتي غيبها عن الصحافة والإعلام، فنوه بأنه لم يكن لديه أي حلم أو تخطيط للعمل المسرحي بحيث انه كان منشغلا بالجانب التشكيلي وبالنحت.
وتابع قدسية حديثه متوجها للطلبة: بعد حرب 1967 طلب مني أحد المخرجين بالأردن أن أعمل في إحدى المسرحيات فكان جوابي أنني لا أفهم شيئا في هذا المجال ولا أنتمي له بأي شكل من الأشكال، وأنه يمكنني فقط تقديم المساعدة في تصميم المناظر والديكور، ومن دون دراية، وبعد أسبوع وجدت نفسي مولعا بهذا المسرح. ولما أنني ولدت لأبوين فلسطينيين فكان لابد أنه رجل صاحب قضية بشكل أو بآخر شاء أم أبى، وتزامن ذلك مع وجود الأديب الفلسطيني غسان كنفاني في الكويت وبعد كثرة اطلاعي على قصصه وعلى ماضيه ورواياته استطعت أن أجد بعضا من الإجابات على تساؤلاتي، وفعلا كان كنفاني منارة مضيئة بحياتي وحياة الكثيرين على مساحة الوطن العربي بما قدمه لنا زوادة ثقافية وطينة. وأكمل: اكتشفت من الأردن ان هذا المسرح يستطيع ان يقدم قضيتنا، وزادني: تعرفت على رجال وشخصيات مهمة بدمشق في وقت مبكر وتأثرت في المدرسة الإنجليزية بالمسرح.
وأردف: اليوم وبعد مرور خمسة عقود أستطيع أن أقول إنني صاحب تجربة مهمة في المسرح، يمكنني أن أقيم كل ما يدور حولي فنيا، وبإمكاني أن أقول كلمة حق، وأن أرفض أي دور لم أقتنع به، وللعلم أنا قررت أن أستقر بدمشق منذ عام 1971 وكنت في حاجة إلى التعمق أكثر في العلم والتعلم حتى عام 1986 وتجلى ذلك بموقف اتخذته من خلال ندوة وثقت في كتاب «القابض على الجمر».
وأشار زيناتي في حديثه للطلبة: لم أحصل على دراسات أكاديمية عليا وقدمت فحص شهادة التعليم الثانوي بمنهاج مصري في القاهرة، إلى أن قررت الاستقرار في دمشق ودرست المسرح، وشاركت بمعظم المؤسسات الثقافية والفنية التي أنتجت مسرحا في سورية، بالإضافة إلى أنني أحد الأساسيين في المسرح الوطني الفلسطيني حتى 1985 بعد أن اختلفت الرؤية بيني وبين القائمين على المسرح.
وتابع: التقيت سعد الله ونوس الذي كتب مسرحية «الاغتصاب»، وذهب بها إلى القاهرة ليطلب منه المسؤول عن المسرح هناك أن يرسل في طلب زيناتي للمشاركة بالعرض، وتناقشنا في عدة أمور فيما يخص هذا العمل لكن لم نتفق على عدة أمور، وقررت أن أغني وأتغنى بفلسطين وحدي.
وفي تصريح لـ «الأنباء» قال قدسية: أنا لا أطلب من الطلبة الذين اختاروا الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية ان نكون نحن قدوتهم لأنه ببساطة الحياة تغيرت وعليهم رسم طريقهم الخاص بهم بحب وشغف لأنهم ببساطة دماء وروح جديدة والطريق الذي أتيح لنا اصبح قديما بطريقته وتفكيره ومعطيات المرحلة الحالية اختلفت، وتطورت العلوم، وبالتالي فهم أقدر على الاختيار وبإمكانهم السير فيه قدما نحو طموحهم وحلمهم، فنحن لنا زمن وهم لهم زمنهم، ولكل مرحلة أبطالها وروادها، ومعظم خريجي المعهد نراهم اليوم شعلة فنية في الدراما والسينما والتلفزيون الذي لا يقل أهمية عن المسرح.
وأشار قدسية إلى أن اللقاء الذي جمعه بطلاب المعهد جدد روح الشباب بداخله، وأعاد له بريق التجربة الناجحة التي عاشها في المسرح، ولعل هذا اللقاء يعد تتويجا ومؤشرا مهما على أنه قدم شيئا مهما في حياته، وإن هذا اللقاء يعد مصدر سعادة كبيرة له.
وفي الختام قدم عميد المعهد د.تامر العربيد درع المعهد للضيف تكريما له واحتفاء بمسيرته ومنجزه الفني والتقط الجميع صورة تذكارية مع قدسية بعد أن اطلع على بعض أعمال الطلاب في المعهد في أقسامه المختلفة.
يذكر أن الفنان زيناتي قدسية مواليد اجزم في حيفا 1948 ومن الأعمال التلفزيونية التي شارك فيها: «البواسل، الراية والغيث، الظاهر بيبرس، خالد بن الوليد، ممالك النار، ما ملكت أيمانكم، هارون الرشيد، باب الحارة، قريش»، ومن أبرز مسرحياته: «دونكيشوت، جويا، زيارة الملكة، نبوخذ نصر، حلاق بغداد، الملك هو الملك، حكاية بلا نهاية»، والقائمة تطول.