(إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا)، غاية التشريف، إنا أرسلناك ـ يا محمد ـ شاهدا على أمتك بالبلاغ، مبينا لهم ما أرسلناك به إليهم، ومبشرا لمن أطاعك بالجنة، ونذيرا لمن عصاك بالعقاب العاجل والآجل.
الإيمان لا يتجزأ
(لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا)، الإيمان بالله وبرسوله جزء لا يتجزأ من الايمان، فلتؤمنوا بالله ورسوله وتنصروا الله بنصر دينه، وتعظموه وتسبحوه أول النهار وآخره.
إثبات صفة اليد لله عز وجل
(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما)، شرف عظيم للصحابة «إنما» أداة حصر، يبايعون الله وحده، فيقول: إن الذين يبايعونك ـ يا محمد ـ في الحديبية على القتال إنما يبايعون الله ويعقدون العقد معه ابتغاء جنته ورضوانه، يد الله فوق أيديهم، فهو معهم يسمع أقوالهم، ويرى مكانهم، يعلم ضمائرهم وظواهرهم، فمن نقض بيعته فإنما يعود وبال ذلك على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه من الصبر عند لقاء العدو في سبيل الله ونصرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فيعطيه الله ثوابا جزيلا وهو الجنة، وفي الآية اثبات صفة يد الله تعالى بما يليق به سبحانه دون تشبيه ولا تكييف.
يوم الحديبية
خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه زوجته أم المؤمنين أم سلمة واربعمائة مسلم متجهين الى مكة لأداء أول عمرة لهم بعد الهجرة، فلما وصل الى ذي الحليفة أهل محرما هو ومن معه، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بُسر بن سفيان الى مكة ليأتيه بأخبار قريش وردود أفعالهم، حيث وصل المسلمون الي عسفان (بين مكة والمدينة)، جاءهم بسر بأخبار استعدادات قريش لصد ومنع المسلمين من دخول مكة، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، فأشار أبو بكر رضي الله عنه بالتوجه الى مكة لأداء العمرة والطواف بالبيت، وقال «فمن صدنا عنه قاتلناه»، فقال صلى الله عليه وسلم «امضوا على اسم الله»، وصلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه في عسفان صلاة الخوف ثم مضى الرسول صلى الله عليه وسلم مع اصحابه باتجاه مكة حتى اقتربوا من الحديبية بركت ناقته فقالوا «خلأت القصواء» (امتنعت عن المشي)، فقال صلى الله عليه وسلم «ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق ولكن حبسها جالس الفيل»، ثم قال صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها»، وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه ليخبر قريش انه لم يأت لقتال وانما جئنا عمارا، ولكن تأخر عثمان بالرجوع الى المسلمين، فخاف صلى الله عليه وسلم عليه خاصة بعد أن شاع أنه قد قتل، فدعا الى البيعة فتبادروا اليه وهو تحت الشجرة فبايعوه على ألا يفروا، وهذه هي بيعة الرضوان التي نزل فيها قوله تعالى (لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا).
(ألقيت هذه المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)