بعد أن بيّن الله عز وجل في سورة الفتح نصره لنبيه وتأييده وامتداحه له ولصحبه من بعد، بيّن لنا عز وجل الطاعة لنبيه في سورة الحجرات، الطاعة لله ولرسوله، وبيّن أدب التعامل في المجتمع الاسلامي بأكمله وأدب التعامل مع الله ورسوله ومع المؤمنين بعضهم لبعض وفي المجتمع بأكمله.
ومع قلة عدد آيات سورة الحجرات، الا انها عظيمة المعنى، فلابد للمؤمن أن يعرض نفسه على سورة الحجرات، فإن وافقها حمد الله على ما وجد في نفسه من موافقته لهدي الله عز وجل، ويسأل الله الثبات على هذا الخير، وإن رأى في نفسه هنّات، ولا اقول اخطاء، لابد من مراجعة النفس، كما قال عمر رضي الله عنه «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا».
النهي عن التكلم قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله)، تحذير للمؤمنين أن يبتدعوا في الدين أو يشرعوا ما لم يأذن من الله، فيا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تقضوا أمرا دون امر الله ورسوله من شرائع دينكم فتبتدعوا، وخافوا الله في قولكم وفعلكم ان يخالف أمر الله ورسوله إن الله سميع عليم، بنياتكم وأفعالكم، سميع بأقوالكم وخلجات انفسكم وخواطركم.
تحذير
مرة أخرى يتكرر النداء والتكرار في القرآن، ليس تكرارا فقط ولكنه تأكيد، وهذا مما تعرفه العرب من أساليب البلاغة، فجاءت مرة اخرى (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي)، وهذا الأدب في الدين، وقد سبق وجاء الأدب في الدنيا تعلم كيف تخاطب نبيك، فلا تنادوا نبيكم كما يجهر بعضكم لبعض وميزوه في الخطاب، قولوا محمد رسول الله، ادعوه يا نبي الله، يا رسول الله، وقّروه، قال عز وجل (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض)، وميزوه في خطابه كما تميز عن غيره من اصطفائه ليحمل رسالة ربه، ووجوب الايمان به ومحبته وطاعته والاقتداء به، خشية أن تبطل أعمالكم وأنتم لا تشعرون بذلك.
تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم علامة التقوى
(إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم)، إن الذين يخفضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين اختبر الله قلوبهم وأخلصها لتقواه، لهم من الله مغفرة لذنوبهم وثواب جزيل وهو الجنة.
أدب العبد عنوان عقله
(إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون)، إن الذين ينادونك يا محمد من وراء حجراتك بصوت مرتفع أكثرهم لا يعقلون الأدب مع رسول الله، ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم عند الله، لأن الله قد أمرهم بتوقيرك والله غفور لما صدر عنهم جهلا منهم من الإخلال بالأدب، رحيم بهم فلم يعجل بالعقوبة.
رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم يحبط العمل
نزلت في الخيرين، نزلت في أخير الأمم، الشيخين المبشرين بالجنة، الله سبحانه وتعالى من سابع سماء يعاتبهما وفيها أنه روى ابن ابي مليكة قال، وهو من رواة البخاري: كاد الخيران الخير أبو بكر والخير عمر، قال: كاد الخيران ان يهلكا ابو بكر وعمر رفعا اصواتهما عند رسول الله حين قدم عليهم ركب بني تميم، لما جاء ركب بني تميم اراد الرسول صلى الله عليه وسلم ان يرسل معهم احدا يعلمهم الدين ويعني يكون قائدهم، فأشار احدهم بالأقرع ابن حابس اخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر، قال نافع لا احفظ اسمه، فقال ابو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي دخل الشيطان. قال: قال عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهم في ذلك، فأنزل الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي)، يقول ابن الزبير بعد هذه الآية: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يعني إلا قيل له ما تقول يهمس همسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الآية. وكان الشيخان بعدها عندما يقول لهما الرسول صلى الله عليه وسلم امرا ليختارا يقولان الله ورسوله أعلم يردان الامر الى الله ورسوله.
(ألقيت هذه المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)