في خلافة أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز، كان قتيبة بن مسلم الباهلي القائد العظيم يفتح الأمصار والأقطار لينشر دين الله في الأرض، وفتح الله على يديه مدينة سمرقند العظيمة بإقليم بلاد ما وراء النهر.
وقد فتحها قتبية بن مسلم من دون أن يدعو أهلها للإسلام أو الجزية، ثم يمهلهم ثلاثا كعادة المسلمين، ثم يبدأ القتال.
فلما علم أهل سمرقند بأن هذا الأمر مخالف للإسلام كتب كهنتها رسالة إلى سلطان المسلمين في ذلك الوقت وهو عمر بن عبدالعزيز، وأرسلوها مع كاهن سمرقندي.
وعندما وصل السمرقندي بالرسالة إلى مقر الخلافة واطلع عليها الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز أمر على الفور باستدعاء القائد قتيبة بن مسلم إلى مجلس القضاء للتحقيق في تلك الواقعة.
وفي مجلس القضاء نادى الغلام: يا قتيبة (هكذا بلا لقب). فجاء قتيبة وجلس هو والكاهن السمرقندي أمام القاضي جُمَيْع. ثم قال القاضي: ما دعواك يا سمرقندي؟ قال: اجتاحنا قتيبة بجيشه، ولم يدعنا إلى الإسلام، ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا.
التفت القاضي إلى قتيبة وقال: وما تقول في هذا يا قتيبة؟ قال قتيبة: الحرب خدعة وهذا بلد عظيم، وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون، ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية.
قال القاضي: يا قتيبة، هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟ قال قتيبة: لا، إنما باغتناهم (فاجأنهم) بسبب ما ذكرت لك.
قال القاضي: أراك قد أقررت، وإذا أقر المدعى عليه انتهت المحاكمة. يا قتيبة، ما نصر الله هذه الأمة إلا باجتناب الغدر، وإقامة العدل.
ثم قال القاضي: قضينا بإخراج المسلمين من سمرقند من جيوش ورجال وأطفال ونساء، وأن تترك الدكاكين والبيوت، وألا يبق في سمرقند أحد، على أن ينذرهم المسلمون بعد ذلك.
لم يصدق الكاهن السمرقندي ما شاهد وسمع وعاد من فوره إلى المدينة ليخبر أهلها بما رأى في بلاد المسلمين، وبعد فترة من حكم القضاء سمع أهل سمرقند بأصوات ترتفع، وغبار يعم الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار.
فسألوا، فقيل لهم: إن الحكم قد نفذ، وأن الجيش الإسلامي قد انسحب..
فلم يتمالك الكهنة، وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجا وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله.