بيروت - ناجي شربل وأحمد عزالدين
اختلف اليوم التالي لرحيل أموس هوكشتاين إلى إسرائيل في محاولة لإنجاز اتفاق وقف إطلاق النار بينها وبين «حزب الله» وطي ملف حرب دفع لبنان في سبيلها أغلى الأثمان، من دون أن يكون له خيار فيها، عن اليوم الذي سبقه إذ حمل بارقة أمل.
اختلف هذا اليوم رغم عودة القصف الجوي للطيران الحربي الإسرائيلي في ساعات الفجر الأولى يوم أمس على الضاحية الجنوبية ثم نهارا، وتكثيف جيش العدو محاولات توغله في مناطق جنوبية، وسط مقاومة صلبة من مقاتلي «حزب الله»، وشعور وطني عارم برفض الاحتلال أيا كانت الأسباب التي أوصلت الأمور إلى ما عليه.
وطرأ مشهد جديد على عيد الاستقلال الـ 81، إذ وجد لبنان ان أعلاما إسرائيلية ترفرف في بعض بلدات وقرى الجنوب الحدودية.
رغم ذلك، بثت كلمة الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم نفحة إيجابية بقوله في ختامها: «سنبني معا بالتعاون مع الدولة والدول التي ستساعد في إعادة الإعمار، وسنقدم مساهمتنا لانتخاب رئيس (للجمهورية) بالطريقة الدستورية، وستكون خطواتنا السياسية تحت سقف الطائف، وسنكون حاضرين في الميدان السياسي لنبني ونحمي».
خطاب تأخر كثيرا من «حزب الله»، وربما كان توقيته الحقيقي بعد التحرير في 25 مايو العام 2000، إلا انه أتى، ولابد من ملاقاته بإيجابية من سائر المكونات اللبنانية، في سبيل الوصول إلى وقف الحرب، وإعادة إطلاق المؤسسات الدستورية، وبسط سلطة الدولة اللبنانية فوق الجميع.
وبعد ساعات من كلام قاسم، جاء «أمر اليوم» الذي وجهه قائد الجيش العماد جوزف عون إلى العسكريين في الذكرى الـ 81 لاستقلال لبنان، وهو تحول رسالة طمأنة إلى اللبنانيين جميعهم، لجهة تأكيد قائد الجيش على «التصدي لكل محاولات زعزعة الأمن والاستقرار، لأن الوحدة الوطنية والسلم الأهلي على رأس أولوياته (الجيش)، وهما الخط الأحمر الذي لن يسمح لأي كان بتجاوزه»، إلى التشديد على انه «لا عودة إلى الوراء».
بينما قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أثناء زيارته مقر وزارة الدفاع الوطني في اليرزة، حيث التقى الوزير موريس سليم وقائد الجيش، «ان اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم، لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة والوحدة الوطنية، وبما تبعث في نفوسهم من رجاء بغد أفضل». وشدد على« ان الجيش، الذي يستعد لتعزيز حضوره في الجنوب، يقدم التضحيات من أرواح ضباطه وعناصره ذودا عن أرض الوطن وسيادته واستقلاله، معززا بثقة اللبنانيين بأنه الأمل والمرتجى».
وقالت مصادر مقربة من الحلقة الضيقة للمفاوضات لـ «الأنباء»: «كان لبنان مطالبا بتسهيل المحادثات للوصول إلى اتفاق من خلال التفاوض غير المباشر لتجنب إطالة أمد الحرب المدمرة، مع وجود محاذير من التوجه إلى مجلس الأمن».
وأضافت: «كان هناك إقرار بالسير بالقرار 1701 والسعي إلى سد الثغرات بما تيسر، خصوصا من خلال الرعاة الدوليين عبر لجنة المراقبة والحفاظ على آلية عمل القوات الدولية والجيش اللبناني».
وأشارت «إلى ان إسرائيل كانت تريد الذهاب إلى الفصل السابع في المهمة المنوطة بقوات «اليونيفل»، وإجراء تعديل في هيكلية هذه القوات، لكنها تراجعت لإدراكها أن أي تعديل على القرار 1701، بأي من مدرجاته سيعني تصويتا في مجلس الأمن ينتظره «فيتو» يسقطه وتصبح المفاوضات بلا أفق، غير انها اعتبرت ان الضمانة الأميركية تشكل بديلا عن أي إجراء».
وذكرت ان البنود التي أخذت حيزا كبيرا من النقاش إلى جانب لجنة المراقبة، هي موضوع الحدود الدولية بتأكيد لبنان على ان هذه الحدود قائمة ويجب تثبيتها وفقا لخرائط الأمم المتحدة الموضوعة عام 1923 وليس الخط الأزرق.
وتبقى مسألة عودة النازحين إلى جنوب الليطاني موضع أخذ ورد، اذ يرفض الجانب اللبناني أي تسويف في هذا الأمر او إطالة المدة المتاحة لتنفيذ الآليات الجديدة لتنفيذ القرار الدولي.
وقف الحرب المعول عليه، ولو طالت الضربات الإسرائيلية، يؤشر إلى سلوك العد التنازلي لإطلاق العمل في مؤسسات الدولة شبه المعطلة، وإعادة الإعمار مع ما يستتبع ذلك من نهضة للاقتصاد اللبناني الذي يعاني ما يعانيه منذ الانهيار المالي الكارثي نهاية 2019.
وطليعة المؤسسات الدستورية التي تنتظر عودة الحياة اليها موقع رئاسة الجمهورية الشاغر منذ 31 أكتوبر 2022. وفي هذا السياق، تحدث نائب ناشط على خط الملف الرئاسي إلى «الأنباء» عن «أسماء جديدة في البورصة الرئاسية، بينها لائحة خماسية ضمت مرشحين تبنتهما فرنسا وهما رجل الأعمال سمير عساف والوزير السابق زياد بارود». وقال: «الخيار الفرنسي الرئيسي هو عساف، في حين اعتبر بارود موازيا له. إلا ان الدور الفرنسي في المنطقة لا يتيح إيصال مرشح تتبناه فرنسا إلى القصر الجمهوري».
وكشف النائب الناشط انه يؤثر حاليا التحرك والعمل على هذا الملف بعيدا من الإعلام. وأفاد بأن الجانب الأميركي يحرص على عدم مقاربة الملف الرئاسي من بوابة فرض مرشح على المجلس النيابي اللبناني.
وتابع: «صحيح إنهم يدعمون قائد الجيش العماد جوزف عون انطلاقا من تجربته على رأس المؤسسة العسكرية، الا انهم يحرصون على استطلاع رأي القوتين المسيحيتين الوازنتين: القوات اللبنانية من بوابة التأكد الفعلي من قبولها بانتخاب عون، والرئيس السابق ميشال عون من بوابة التأكد من وجود «فيتو» نهائي على ترشيح قائد الجيش من عدمه».
ورأى النائب «ان مسألة تمديد سن الخدمة العسكرية للعماد قائد الجيش قد حسمت إيجابا ببقائه سنة إضافية على رأس المؤسسة، من بوابة تشريع قانوني من المجلس النيابي».
في حين قال مصدر رسمي فاعل في «القوات اللبنانية» لـ «الأنباء» ان الموفد الأميركي «شاء لقاء أفرقاء فاعلين غير إدارتي السلطتين الرسمية التنفيذية في الحكومة والتشريعية في مجلس النواب. وجاء اللقاء مع جعجع على عشاء لأخذ الوقت الكافي للنقاش. وجدد الحكيم نظرته للخروج النهائي بالبلاد من دوامة الحروب، بالتأكيد على تطبيق القرارات 1559 و1680 و1701. أما موضوع الرئاسة عند د.جعجع فيأتي مكملا لوقف الحرب المدمرة وإطلاق عمل المؤسسات. والتركيز الأساسي على وقف الحرب ونزع الأسباب التي أدت إليها، وتجنيب البلاد مستقبلا أخطارا مماثلة. ونعتقد أن لقاء هوكشتاين مع الرئيس عون صب في الإطار عينه، لجهة اطلاع سائر الأطراف اللبنانية الأساسية على الجهود المبذولة لوقف الحرب».