بيروت ـ داود رمال
منذ فجر أمس، دخل وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية حيز التنفيذ، ليضع حدا لأيام عصيبة عاشها اللبنانيون تحت وطأة القصف والخوف.
مع بزوغ أولى ساعات الهدوء، انطلقت مواكب النازحين العائدين إلى ديارهم في الجنوب والبقاع، يحدوهم الأمل باستعادة الحياة على رغم المآسي التي خلفتها الحرب.
ووسط أجواء العودة، تداخل الفرح بالخلاص مع مرارة الحزن على الأحبة الذين غيبهم الموت، وقد خلفت هذه الحرب جراحا عميقة في القلوب، إذ ودع كثيرون أفراد عائلاتهم الذين قضوا في القصف، كما شعر الناجون بصدمة فقدان «جنى العمر»، بعد أن تحولت المنازل والمؤسسات إلى ركام، تاركة وراءها قصصا مؤلمة عن تعب السنين.
ومع عودة الأهالي، بدأت أعمال رفع الركام من الأبنية المدمرة، حيث يظهر حجم الخسائر يوما بعد يوم، وانتشلت فرق الإنقاذ عددا من جثامين الشهداء من تحت الأنقاض، في مشهد يمزج بين الدموع والذهول أمام هول الكارثة. المؤسسات الحيوية التي كانت تشكل شريان الحياة للقرى الجنوبية لم تعد سوى أطلال، ما يشير إلى حجم إعادة الإعمار المطلوبة في المستقبل القريب.
وعلى رغم عودة الكثير من الأهالي، لاتزال المأساة الأكبر تتمثل في مصير المفقودين. وينتظر ذووهم بقلق أي خبر قد يطفئ نار الانتظار. المفقودون أصبحوا جرحا نازفا في ذاكرة هذه الحرب. ويبقى السؤال عن مصير جثامينهم بلا إجابة واضحة.
وقد بدأت البلدات الجنوبية التحضيرات لتشييع الشهداء، حيث تتحول الجنازات إلى مشاهد مؤثرة تجسد الحزن والاعتزاز. هؤلاء الشهداء الذين دفعوا أرواحهم ثمنا للأرض، باتوا رموزا للوطنية والصمود، وستظل ذكراهم خالدة في قلوب أحبائهم.
وعلى رغم الألم والدمار، يصر اللبنانيون على المضي قدما، وهذا ما بدا من حركتهم فجر الأربعاء. ويمثل وقف إطلاق النار بداية رحلة طويلة نحو إعادة الإعمار وعودة الحياة إلى طبيعتها.
قد تكون الطريق مليئة بالتحديات، لكن الإرادة الشعبية وهي إرادة وطنية جامعة، تبقى قادرة على تجاوز المحن وتخطي الآلام.