بيروت - خلدون قواص
استيقظت بيروت وأهلها بعد وقف إطلاق النار، على هول الدمار في شوارعها وأحيائها السكنية، حيث توزعت الغارات الإسرائيلية على معظم أحيائها من رأس بيروت إلى رأس النبع وما بينهما من أحياء البسطا والنويري ومار الياس وزقاق البلاط وبربور وكورنيش المزرعة، حيث تحولت العاصمة إلى جحيم من الحرائق والدمار واللهب المتصاعد.
وأدى ذلك قبل ليلة وقف النار، إلى نزوح عشرات الآلاف من العائلات البيروتية باتجاه أحياء شرق بيروت كالأشرفية والدورة وسن الفيل، حيث استضافتهم العائلات ذات الغالبية المسيحية واحتضنتهم وسهلت لهم وسائل الراحة والاطمئنان والأمان، وتجسدت الوحدة الوطنية بأرقى معانيها.
كما أن الآلاف من العائلات البيروتية استكملت رحلتها نحو مناطق الشمال باتجاه الكورة والقلمون وطرابلس ومحيطها، حتى ان البعض من أبناء بيروت وصل إلى أقصى الشمال إلى محافظة عكار، والكثير من العائلات باتت ليلتها الصعبة في السيارات على شواطئ بيروت ومناطق ضبية والدورة وبرج حمود.
العدوان الإسرائيلي الأخير على العاصمة بيروت أدى إلى زحمة سير خانقة وتوتر وخوف ورعب لدى المواطنين. شيوخ وأطفال ونساء خرجوا من بيوتهم تاركين وراءهم كل ما جمعوه من أرزاق وحاجات، لأن المواطنين في ذلك الوقت كان همهم إنقاذ أرواحهم وعائلاتهم، حتى إن البعض منهم خرج من دون مال ومن دون هوياتهم وأوراقهم الشخصية، خوفا من اللهب الذي حاصر أماكن سكنهم رغم أن هناك الآلاف من هذه العائلات استسلمت لقدرها وبقيت مرابطة وصامدة في أماكن سكنها، لإحساسها بأنه لا مكان تلجأ إليه في هذه الساعات العصيبة التي حولها الإرهاب الإسرائيلي إلى مدينة جريحة تنزف دما ودموعا، وقد علت صرخات الأطفال والنساء الذين لم تمكنهم ظروفهم من الخروج من أماكن سكنهم، إما خوفا وإما لعدم قدرتهم على الخروج لقلة مواردهم المالية، فعاشوا مأساة من الخوف والرعب من انقطاع الكهرباء والماء وكل وسائل الحياة.
ومع صبيحة وقف إطلاق النار والعدوان الإسرائيلي على بيروت وما حولها، بدأت رحلة العودة المبكرة لأبناء بيروت من أماكن نزوحهم ليلا لتفقد شوارع وأحياء عاصمتهم الحبيبة إلى قلوبهم، والتي تركوها جسدا وبقيت أرواحهم وممتلكاتهم وأماكن ولادتهم ومرتع صباهم في هذه المدينة العظيمة التي كانت يوما واحة للحرية والثقافة والعيش المشترك والإعلام، وملتقى الأشقاء العرب ومهوى أفئدتهم وجامعاتهم ومستشفاهم وسوق عكاظ هم من كبار الشعراء والمثقفين والكتاب من أقصى المحيط الأطلسي إلى أقصى الخليج العربي، والذي تنتظره بيروت وأبناؤها وكل لبنان.
شعب لبنان ينظر اليوم بأمل ورجاء إلى طي صفحة الحروب والتخلص من كل المحاور، ليعود لبنان إلى الحضن العربي الذي اشتاق إليه كاشتياق الصحراء إلى ماء المطر واشتياق الورد إلى ندى الصباح.