- واقع المسلمين اليوم يؤكد أن الأخوة في الإيمان لم تعد كما كانت زمن المهاجرين والأنصار
- أهداف أخوة الإيمان ومعانيها صفات واقعية وليست صعبة أن يتخلق بها المسلم
- لابد أن تكون صفة لصيقة بالمسلم تبرز وتظهر في أقواله وتصرفاته وأفعاله
يبين لنا د.خالد المذكور معاني ووسائل الأخوة في الإسلام، مؤكدا ان واقع المسلمين اليوم يؤكد ان الأخوة في الإيمان لم تعد لها تلك الفاعلية التي سبق أسلافنا التخلق بها، وقال د.المذكور ـ في حواره مع «الأنباء» ـ إن الأخوة مسؤولية كل مسلم غيور على دينه، حريص على انتسابه للإسلام، ولفت الى أبرز مظاهر أخوة الإيمان وهي مؤاخاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، مشيرا الى ان الأخوة الإيمانية مستمدة من عناصر روحية إيمانية يجب الحرص عليها وموجودة في مساجد الكويت وإلى نص الحوار:
بداية، هل تفسر لنا معنى الأخوة في الإسلام؟
٭ تُطلق كلمة الأخوة في الإسلام على أخوة الدم وأخوة العقيدة، فأخوك من دمك من أب وأم، ويقال أخ شقيق، وسمي أخا لأنه يتوخى (أي يقصد أخاه)، ولما في هذه الأخوة من الصلة والمحبة والتماثل والتعاون، فقد استعار كثير من الناس كلمة «يا أخي» أو «أيها الأخ» عندما يريد مخاطبة من لا يعرف اسمه أو ليست له به صلة سابقة، وكأن هذا من عادة العرب في تخاطبهم عندما يلتقي أحدهم بعربي غريب عنه ولا يعرف اسمه فيناديه «يا أخا العرب».
ما الذي يجمع الأخوة؟
٭ هناك عدة أواصر، منها: آصرة الانتساب والقرب والمحبة والألفة والصحبة والتماثل في الطباع، وآصرة الارتياح وترك التكلف، ولذلك كانت المناداة بها أنفس للنفس من نسبه والأبوة اللتين هما أقوى منها، إذ تمتاز عليهما بما في الأخوة من التجرد عن كلفة التوقير والمهابة والطاعة، وأخوة الدم المنحدرة من أبوين من حيث الترابط والتناصر أمر معروف، وقد يقع بين الإخوة الأشقاء وغير الأشقاء من المنازعات والشحناء ما يصل إلى سفك دماء بعضهم بعضا، وقصة يوسف عليه السلام لا تخفى على أحد، وكما حصل بين ولديّ آدم عليه السلام.
أيهما أقوى الأخوة الإيمانية أم أخوة الدم؟
٭ لما كانت الصلة الأخوية الدموية هي مضرب المثل في التناصر والتعاون والتماثل، فإن الشريعة الإسلامية بنيت عليها أخوة العقيدة لأنها ليست هناك آصرة تماثل أقوى منها.
ولماذا ميَّز الإسلام الأخوة الإيمانية عن أخوة الدم؟
٭ لأنها أخوة مستمدة من عناصر روحية إيمانية لا تدانيها في التقارب أخوة الدم، ولم يتجاهل الإسلام الأثر الذي تبنى عليه أواصر القرابة ـ القريبة ـ فتبناه للتدليل على ما يريده من حقيقة الصلة بين أبناء العقيدة الواحدة، فقال عنهم «إنما المؤمنون إخوة»، وأكدت الآية أن أخوة العقيدة الإيمانية لا تنفصم عراها إلا بالردة والعياذ بالله.
ما أبرز مظاهر الأخوة الإيمانية؟
٭ أبرزها مؤاخاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار عمليا بعد هجرته إلى المدينة واستقراره فيها، فقال لهم «تآخوا بالله أخوين أخوين»، كما يرث إخوة الدم بعضهم بعضا (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)، فالمهاجرون تركوا ديارهم وأموالهم في سبيل عقيدتهم فاستقبلهم إخوانهم الأنصار بقلوب مفتوحة وأياد مبسوطة (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)، وهذه الأوصاف التي وصف بها رب العالمين المسلمين من المهاجرين والأنصار جعلت لسان حال من يأتي بعدهم يردد الدعاء بقوله تعالى (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم).
ماذا لو حدث نزاع بين المؤمنين وانفكت إخوتهم بسبب معاداتهم لبعضهم البعض؟
٭ إخوة الإيمان والعقيدة لا ينفك عراها ولا تنفصم روابطها مهما حصل بين المؤمنين من نزاع أو قتال (إنما المؤمنون إخوة)، وردت في صدد توجيه الله تعالى للمؤمنين بما يجب عليهم ان يفعلوا في حال نشوب قتال بين طائفتين (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما.. الآية) ومن هذا يتبين أن الله تعالى لم ينف عن المتقاتلين من المؤمنين صفة الإيمان على الرغم من أن القتال يتولد عنه سفك دماء، غير أن الاقتتال ليس دافع الخروج عن العقيدة من إحدى الطائفتين إنما هو خلاف مبني على تأويل أو على اجتهاد من احداهما ضد الاخرى، كما ان القتل الحاصل بين المؤمنين في جرائم القتل لا يزيل هذه الصفة عنهم لقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى..الآية) مما يدل على الإبقاء على الصلة الايمانية على الرغم من نشوب القتال بين المؤمنين، وهو توجيه للمؤمنين بألا يفسد عليهم أي أمر آخر مهما كان شأنه من الناحية المادية أخوتهم الإيمانية.
ما مستلزمات قوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) في اخوتهم لبعض؟
٭ يستلزم أن يكون الفرد مؤمنا بأركان الإيمان بالله ويتضمن الإيمان بالغيب وباليوم الآخر والبعث وبالقدر خيره وشره والإيمان بملائكته وكتبه وأنبيائه ورسله دون تفريق بين أحد منهم يجمعها الله تعالى في قوله (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربك وأولئك هم المفلحون).
وما الوسائل التي يجب ان يتبعها المؤمن لتحقيق الأخوة في الله؟
٭ هناك وسائل عدة لتحقيق هذه الاخوة، منها وسائل تشريعية ووسائل أخلاقية، والوسائل التشريعية التي شرعها الله تعالى في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ووضعها قواعد لتحقيق الاخوة الايمانية ودعا إلى الأخذ بها وتطبيقها ومن اظهرها صلاة الجماعة وأداء مناسك الحج. أما الوسائل الاخلاقية التي تؤكد معنى الاخوة وترسخه فهي تجتمع في مكارم الاخلاق ومن أهمها العدالة التي هي صفة اخلاقية لا ينكرها أي مؤمن لأن المؤمن يتحرى العدل في جميع أموره ومع جميع من يتعامل معه وهو بهذا الخلق يترفع عن أن تجرح عدالته منفعة مادية أو قرابة أو صداقة أو حتى عداوة.
كيف نحقق أخوة العقيدة؟
٭ من وسائل تحقيق أخوة العقيدة تعاون المسلمين وتكافلهم وتحسين أوضاعهم كالأقليات المسلمة فإن واجب التعاون فيما بينهم يكون لازما على كل منهم حسب طاقته بما ينهض بمستواهم ليتمكنوا من فرض أنفسهم واسماع كلمتهم والحصول على حقوقهم، كذلك لا بد من العمل المشترك لتحقيق الاخوة، فإذا رجعنا الى تحليل معنى قوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) يتحقق لنا أن المراد من هذا الوصف ان المؤمنين بمجموعهم اخوة وأن كل واحد منهم مرتبط بأخيه برباط الإيمان وأنهم لا شأن لهم ان كانوا متفرقين، ولذلك نجد ان الخطاب في كثير من الآيات يرد بصيغة الجمع (يأيها الذين آمنوا)، (إن المؤمنين والمؤمنات)، (وتعاونوا على البر والتقوى)، (يد الله فوق أيديهم)، (انفروا خفافا وثقالا)، و(وأمرهم شورى بينهم)، وأمثال هذه الآيات كثيرة والتي يستفاد منها روح الجماعة والتناصر والتعاون المشترك بين المسلمين وان من الواجب على كل مسلم ان يحقق في نفسه ما يرجو ان يجده لدى أخيه المسلم في الامور التي لا بد من تضافر قواهم لتحقيقها وانه إذا ما تخلف احد عن هذه المشاركة كان مسؤولا عن ذلك بشخصه وكل شخص مسؤول مسؤولية مستقلة بأن يحقق في نفسه هذا الاستعداد الذي ينتظره منه اخوه المسلم وأن يبادر من تلقاء نفسه الى مشاركة اخوانه في السراء والضراء وأن يحافظ على الالتقاء معهم في جميع المناسبات التي أوجبها الاسلام ودعا الى المشاركة فيها فاستقصاء معاني الاخوة في الاسلام تبرز وتظهر في أقوال وتصرفات كل مسلم مع أخيه في الإسلام لأن المؤمن مرآة أخيه.