في وقت يحرص فيه قطاع صناعة السيارات العالمي على تسريع وتيرة اعتماد السيارات الكهربائية، تحقق دول الخليج خطوات متقدمة وريادية في مسيرة التحول إلى السيارات الذاتية القيادة. وتعد هذه المسيرة أكثر من مجرد ابتكار تكنولوجي، حيث تسهم في إعادة تشكيل منظومة النقل الكاملة، وكذلك، دور التأمين. ووسط التوجهات المتزايدة من قبل الحكومات والشركات في المنطقة لاعتماد التنقل الذاتي، يتعين تطوير قطاع التأمين بالتوازي.
دول الخليج تقود مسيرة التحول إلى التنقل الذاتي
تعتبر دول الخليج، خصوصًا الإمارات والسعودية، من الدول الرائدة عالميًا في اعتماد تقنيات التنقل الذاتي. فعلى سبيل المثال، تسعى حكومة دبي إلى إتمام 25% من رحلات النقل بالسيارات الذاتية القيادة بحلول العام 2030، وتهدف هذه المبادرة، التي تعد جزءًا من الاستراتيجية العامة للنقل الذاتي في دبي، إلى خفض تكاليف النقل وانبعاثات الكربون ونسبة الحوادث.
وقد أجرت دبي بالفعل تجارب ناجحة على سيارات الأجرة والحافلات المستقلة، ولديها خطط لتوسيع هذه الخدمات في جميع أنحاء المدينة. على سبيل المثال، أكملت هيئة الطرق والمواصلات اختبار سيارة الأجرة الجوية ذاتية القيادة، وهي طائرة تعمل بالطاقة الكهربائية، قادرة على نقل الركاب. وتعتبرSkyBus، وهو نظام تنقل حضري يعمل بالكابلات في الشارقة، مثالًا آخر على الابتكار في قطاع النقل.
كذلك في السعودية، من المقرر أن يكون مشروع مدينة نيوم ساحة اختبار للمركبات الذاتية القيادة، وكجزء من استراتيجيتها الأوسع لتنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على النفط وفقًا لرؤية 2030.
هذه المبادرات لا تعتبر تقنيات جديدة فحسب، بل إنها تعيد تشكيل طريقة عيش الناس في المنطقة وعملهم، وكيفية انتقالهم من نقطة إلى أخرى. فمن خلال إعطاء الأولوية للتنقل الذاتي، تساهم دول الخليج في جعل المدن أكثر كفاءة واستدامة بيئيًا، وكذلك أكثر قابلية للعيش.
وتبقى الزحمة المرورية، على سبيل المثال، تحديًا كبيرًا في العديد من مدن الشرق الأوسط. ففي دبي، يخسر السائقون في المتوسط 33 ساعة سنويًا بسبب الزحمة المرورية، وفي الرياض 31 ساعة، وفقًا لتقرير 2023 Inrix Global Traffic Scorecard. لذلك، يهدف التنقل الذاتي إلى تخفيف هذا العبء من خلال تحسين حركة المرور وتقليص مدة التأخير.
تحويل التأمين في عصر القيادة الذاتية
مع تزايد انتشار المركبات ذاتية القيادة، ينبغي تطوير صناعة التأمين لتلبية احتياجات المشهد الجديد من المخاطر والمسؤوليات. وسوف تحتاج نماذج التأمين التقليدية للسيارات، التي تعتمد بشكل أساسي على سلوك السائق البشري، إلى التكيف مع التعقيدات التي تفرضها المركبات ذاتية القيادة.
على سبيل المثال، إذا وقع حادث يتعلق بسيارة ذاتية القيادة، فقد تنتقل المسؤولية من مالك السيارة إلى الشركة المصنعة أو مزود البنية التحتية. وستحتاج شركات التأمين إلى تطوير أطر عمل جديدة لتحديد المسؤولية، وتقييم ما إذا كانت برمجيات السيارة ذاتية القيادة أو أجهزة الاستشعار أو البنية الأساسية المتصلة هي التي تسببت في الحادث أو مسؤولة عنه. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يؤخذ في الاعتبار دور التدخل البشري في حوادث المركبات ذاتية القيادة، حيث قد يتمكن السائق البشري من السيطرة على الحادث في مواقف معينة وقد يكون مسؤولًا عنه بشكل غير مباشر، مما يتطلب من شركات التأمين تطوير سياسات تعالج هذه التحديات.
بالإضافة إلى ذلك، سيؤثر الاستخدام المتزايد للبيانات الناتجة عن المركبات ذاتية القيادة على عملية المطالبات بشكل كبير. وفي حال وقوع حادث، يمكن أن توفر هذه البيانات سجلًا دقيقًا لما حدث بفضل أجهزة الاستشعار والأنظمة المتطورة، مما يساعد شركات التأمين على تقييم المسؤولية بدقة أكبر. ومع ذلك، فإن هذا يثير أيضًا مخاوف بشأن الخصوصية وحماية البيانات، مما يؤكد ضرورة أن تضمن شركات التأمين ومصنعو السيارات استخدام بيانات السائقين بشكل مسؤول وأن تكون هناك قوانين واضحة تحكم استخدامها.
التكيف مع عصر جديد: دور شركات التأمين في مستقبل المركبات ذاتية القيادة
لا يعتمد نجاح التنقل الذاتي القيادة في الشرق الأوسط على التقدم التكنولوجي فحسب، بل أيضًا على قدرة صناعة التأمين على التكيف والابتكار. فمع انتقال المنطقة إلى استخدام المركبات ذاتية القيادة، ستحتاج شركات التأمين إلى إعادة التفكير في نماذج المخاطر التقليدية وتطوير منتجات جديدة تعالج المسؤوليات الفريدة المرتبطة بالتكنولوجيا المستقلة.
قد يكون تقديم منتج معقد مثل التأمين على المركبات ذاتية القيادة تحديًا كبيرًا، حيث ستحتاج شركات التأمين إلى فهم عميق للتكنولوجيا ومخاطرها المحتملة والبيئة التنظيمية المتطورة، وسيتعين عليها الاستثمار في مجال البحث والتطوير لتوفير منتجات مبتكرة تقيم المخاطر المرتبطة بالمركبات ذاتية القيادة بدقة وتخفف من حدتها.
وفي الوقت نفسه، يتعين على شركات القطاع الخاص التعاون عن كثب مع الحكومات لإرساء بيئية داعمة لتبني المركبات ذاتية القيادة، لا سيما أن حكومات دول الخليج تضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية وتخلق بيئات تنظيمية تعزز الابتكار. ويجب أن تكون شركات التأمين في طليعة هذه التطورات، والعمل مع الشركاء في القطاعين العام والخاص لضمان اعتماد المركبات ذاتية القيادة بشكل سلس وآمن.
ومع تقدم الحكومات والشركات بإطلاق مبادرات طموحة، يحتاج قطاع التأمين إلى التكيف مع الواقع الجديد. إن تبني الابتكار والتكيف مع الواقع المتطور سيمكن شركات التأمين من تلبية احتياجات عملائها المتزايدة والمساهمة في تشكيل مستقبل التنقل في المنطقة. وتشارك أليانز بارتنرز منذ سنوات في مشاريع تجريبية خاصة بالقيادة الذاتية. فمن خلال تأمين سيناريوهات مختلفة في دول عدة، نطور الخبرات ونفهم بشكل أفضل احتياجات منظومة المركبات ذاتية القيادة.