بيروت - ناجي شربل وأحمد عز الدين
جرعة دعم إضافية للبنان وعهد رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، تمثلت الجمعة بزيارة وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي إلى بيروت، للمرة الثالثة والأولى بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، وانتخاب العماد جوزف عون رئيسا للجمهورية، علما أن الزيارة الأخيرة للوزير المصري شهدت قصف الطيران الحربي الإسرائيلي لمحيط مطار بيروت الدولي، أثناء إدلائه بتصريح من على مدرج المطار.
الرئيس عون استقبل عبد العاطي في القصر الجمهوري ببعدا أمس، ونقل وزير الخارجية المصري رسالة خطية من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى نظيره اللبناني تضمنت دعوة رسمية لزيارة مصر في أقرب وقت.
وجاء في الرسالة: «يطيب لي أن أتوجه إليكم بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن الشعب المصري بأصدق التهاني القلبية على توليكم منصب رئيس الجمهورية اللبنانية الشقيقة، تلك المسؤولية التي تحملونها على عاتقكم في مرحلة محورية من تاريخ لبنان الشقيق، لخدمة الشعب اللبناني العظيم الذي عانى ويلات الحرب على مدار الأشهر الماضية.
وانني اذ اغتنم هذه الفرصة لأعرب لكم عن دعم مصر الكامل للبنان العزيز - حكومة وشعبا - تحت قيادتكم الحكيمة، وأؤكد لكم استعداد مصر التام لمساندة لبنان الشقيق في تخطي تبعات الحرب والدمار والمشاركة في عملية إعادة إعمار لبنان، فضلا عن التزام مصر بدعم مؤسسات الدولة اللبنانية والجيش اللبناني، بما يضمن انتشاره بكل الأراضي اللبنانية، بما في ذلك مناطق الجنوب اللبناني.
كما يسعدني أن أغتنم هذه المناسبة لدعوتكم أخي فخامة الرئيس لزيارة بلدكم الثاني مصر في اقرب فرصة، بهدف التنسيق والتشاور في مجمل القضايا الثنائية والإقليمية والدولية وبما يعكس علاقات الاخوة بين البلدين الشقيقين».
واستذكر الرئيس عون اللقاء الذي عقده مع الرئيس السيسي عندما كان قائدا للجيش والدعم الذي قدمته مصر للمؤسسة العسكرية، مؤكدا أن «لبنان يرحب بأي مساعدة تقدمها مصر الشقيقة في المجالات كافة».
وتطرق رئيس الجمهورية إلى العلاقات اللبنانية - المصرية، مؤكدا على ضرورة تفعيل اللجنة المشتركة بين البلدين بعد تشكيل الحكومة. وتناول الرئيس عون الوضع في الجنوب فأكد للوزير المصري «أن لبنان متمسك بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها خلال الحرب الأخيرة ضمن المهلة المحددة في 18 فبراير، معتبرا أن لبنان يرفض المماطلة في الانسحاب تحت أي ذريعة كانت.
كما شدد على إعادة الأسرى اللبنانيين الذين اعتقلتهم إسرائيل خلال حربها على لبنان. وقال الرئيس عون: «المنطقة العربية تشكل جسما واحدا متكاملا والتحديات تحيط بالجسم ككل».
وشدد «على أهمية التعاون المشترك للتمكن من اجتياز المرحلة الراهنة في المنطقة والمخاطر التي تحيط بها».
الوزير المصري قال من منبر القصر الجمهوري: «الموقف المصري ثابت في وقف الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان والانسحاب الإسرائيلي الكامل وغير المنقوص من الأراضي اللبنانية وعدم استهداف المدنيين».
وأشار إلى «اتصالات دورية مستمرة تجريها مصر في هذا الإطار مع الإدارة الأميركية وفرنسا وإسرائيل ولبنان، للتأكيد على التنفيذ الكامل لاتفاق التهدئة».
وعن مسار تشكيل الحكومة اللبنانية، قال الوزير المصري: «هذه المسألة يجب أن تتم بملكية لبنانية وطنية تامة. ومصر تدعم جهود الرئيس نواف سلام لتشكيل حكومة لا تقصي ولا تستبعد أحدا، وتعكس كل التنوع الطائفي في لبنان».
وأضاف: «نتطلع إلى سرعة إنجاز التأليف لتلبية تطلعات اللبنانيين». وأكد «على الدعم المصري الكامل للبنان في إعادة الإعمار واستعداد الحكومة والشركات المصرية على المساعدة في تنفيذ مشاريع التعافي».
الوزير عبد العاطي انتقل إلى السرايا الحكومية، حيث التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. كما زار رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، والرئيس المكلف نواف سلام في منزله بقريطم، حيث أدلى بتصريح إلى جانب الرئيس سلام أثناء المغادرة، مؤكدا فيه دعم بلاده للبنان، وحق المواطنين اللبنانيين من أبناء الجنوب في العودة إلى قراهم. ورفض الرد على سؤال يتعلق بالعقد التي تعترض تأليف الحكومة، قائلا: «هذه ملكية لبنانية، ولنا ملء الثقة بالمسؤولين وعلى رأسهم الرئيس عون والرئيس المكلف».
كما جال عبد العاطي على رؤساء الأحزاب السياسية والكتل النيابية، ومرجعيات روحية.
وتتكثف الاتصالات لحلحلة العقد الأخيرة التي سببت بطأ في ولادة الحكومة، وسط إصرار الرئيس المكلف القاضي نواف سلام على المضي قدما في مسعاه لتجاوز المطبات التي تعترض القواعد التي وضعها لتشكيل الحكومة.
وترى مصادر مطلعة انه لا يمكن تحقيقها بالشكل الذي يريده الرئيس المكلف، في ظل توزع الكتل النيابية والأحزاب السياسية على الطوائف، والتي تتمثل بحصص وتمثلها بالحكومة، بما يعبر عن هذه الأحزاب والطوائف، وتاليا لا يمكن إبعاد السياسة عن الحكومة.
وقالت مصادر متابعة لـ «الأنباء»: «العقد الأخيرة أمام الحكومة تستدعي تدخلا جديدا من ممثلي اللجنة الخماسية، لتبديد أجواء التشنج لدى بعض الأطراف، خصوصا أن أي إصلاح أو استثمارات، والأهم إعادة الاعمار، يرتبط بتشكيل حكومة تكون مقبولة داخليا وموضع تقدير خارجي».
وتقول مصادر مقربة من الرئيس نبيه بري: «موضوع إسناد وزارة المالية إلى الوزير السابق ياسين جابر، ليس موضع اعتراض جدي على رغم ما يعلن من مواقف من هذا الفريق أو ذاك».
وعلى رغم ما يتردد من مواقف بعدم حصر أي وزارة بطائفة وخصوصا وزارة المالية، فثمة إقرار من الغالبية بأنها من حصة «الثنائي»، وان المطلوب أن تكون تسمية من يتولاها من اختصاص الرئيس المكلف.
وتضيف المصادر انه «على رغم تسليط الضوء على حصة الثنائي الشيعي كمصدر لعرقلة التشكيل، فإن القوات اللبنانية لم تحسم خياراتها حتى الآن، وهي تعترض على التسمية نيابة عنها. كذلك فإن التيار الوطني الحر الذي أعلن انه يعمل على تسهيل مهمة سلام، يتمسك أن تكون حصته موازية لحصة القوات انطلاقا من حجم التمثيل الشعبي. وتبقى حصة الطائفة السنية موضع تنازع، إذ ان الرئيس المكلف لا يستطيع أن يعوض غياب قيادة جامعة للطائفة. وهناك ما يشبه التوافق لدى نواب الطائفة، وخصوصا في الشمال، لتأمين تمثيل وازن في الحكومة لجهة الحقائب والحجم».
جنوبا، الوضع يتجه نحو التصعيد من خلال الممارسات التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي عبر تكثيف طلعات الطيران ومنع المزارعين والمدنيين من العمل في حقولهم، وإطلاق النار عليهم في البلدات التي عاد إليها أهلها قبل أسابيع، تحت حجج وذرائع مختلفة، إضافة إلى توسع الغارات لتتجاوز حدود منطقة الجنوب، وصولا إلى الحدود اللبنانية - السورية في البقاع.
وتستعد جهات مدنية وحزبية للتحرك يوم الأحد نحو البلدات المحتلة على غرار ما حصل الأسبوع الماضي. ويخشى البعض تصعيدا أو مواجهات قد تكون أشد قسوة. وفي هذا الإطار اتخذ الجيش اللبناني إجراءات لإبقاء الوضع تحت السيطرة وتجنب تكرار ما حصل، حيث سقط 30 شخصا وأصيب أكثر من 150 آخرين، خصوصا في القطاع الشرقي حيث لاتزال القوات الإسرائيلية تحتل 14 بلدة بينها 8 كبرى تمتد من عيترون حتى كفركلا وبينها ضمنا العديسة وميس الجبل كبرى بلدات الشريط الحدودي. هذه البلدات مواجهة لما يسمى «إصبع الجليل» في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي يخشى ألا تنسحب إسرائيل منها بعد انتهاء المهلة الممددة حتى 18 فبراير.
ويوم الجمعة، قام الجيش الإسرائيلي بإحراق ما تبقى من منازل في بلدة كفركلا.
وفيما اكتمل الانسحاب من القطاعين الغربي والأوسط وسط تخوف من استمرار احتلال بلدات القطاع الشرقي، في انتظار بلورة صورة الوضع النهائي للحركة السياسية وشكل الحكومة في لبنان، وما ستتخذه من إجراءات، خصوصا على صعيد موضوع السلاح العائد لـ «حزب الله» في البقعة الجغرافية الممتدة شمال نهر الليطاني.
وفي سياق متصل، تبين في جولة لـ «الأنباء» أن قسما كبيرا من أهالي القرى المدمرة بيوتها والأحياء فيها بالكامل في الجنوب، أقاموا في منازل بمحيط مجاور، سواء بالإيجار أو لدى أقارب مسافرين في الخارج. ووصلت الحدود الجغرافية إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، مع تأمين وحدات سكنية بإيجارات مرتفعة، تخطت الـ 400 دولار أميركي لمنزل مؤلف من غرفتين في برج البراجنة ومحيطها، مقابل ارتفاع البدل في مناطق راقية أكثر ضمن الضاحية. كما لجأ البعض إلى تقسيم بيوتهم نصفين، لتأمين إقامة أقارب، أو مستأجرين لقاء بدل مادي في هذه الأيام الصعبة.