قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني إن أسعار النفط تراجعت عام 2024 تحت وطأة المخاوف المتعلقة بتباطؤ نمو الطلب العالمي، خاصة في ظل ضعف النشاط الاقتصادي في الصين وزيادة الإمدادات النفطية من خارج الأوبك وحلفائها، على خلفية توسع الإنتاج في الأمريكتين.
وتحركت الأسعار ضمن نطاق محدود خلال الربع الرابع من العام الماضي، إذ ساهمت وفرة الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى الأوبك وحلفائها، نتيجة تخفيضات الإنتاج التي أقرتها المجموعة، في تحييد التأثيرات المعتادة كالتوترات الجيوسياسية.
وتشير توقعات وكالة الطاقة الدولية الى تحسن نمو الطلب على النفط بشكل طفيف خلال عام 2025، ليصل إلى أكثر من مليون برميل يوميا، مدفوعا بتحسن المعنويات بصفة عامة تجاه مشهد الاقتصاد الكلي، إلا أنه من غير المرجح أن تعوض هذه الزيادة المحدودة للطلب الارتفاع المتوقع في الإمدادات.
وقد ساهم قرار الأوبك وحلفائها في تأجيل إعادة حصص الإنتاج المخفضة للأسواق مرة أخرى في الحد من اختلال التوازن بين العرض والطلب، إلا أن ارتفاع المخزون، الذي يتوقع أن يبلغ 0.7 مليون برميل يوميا (وفقا لوكالة الطاقة الدولية)، قد يفرض ضغوطا هبوطية على الأسعار.
في المقابل، تشكل العقوبات الأميركية الجديدة على روسيا، والتي دفعت الأسعار للارتفاع في يناير الماضي، إلى جانب احتمال فرض المزيد من العقوبات على إيران، عوامل قد تسهم في تحسن آفاق سوق النفط خلال الفترة المقبلة.
وارتفعت أسعار النفط في الربع الرابع من عام 2024، بدعم من قرار الأوبك وحلفائها تأجيل وإبطاء تنفيذها لقرار تخليها عن تخفيضات الإنتاج الطوعية للدول الأعضاء، مما ساهم في تهدئة المخاوف المتعلقة بزيادة إمدادات السوق خلال عام 2025.
وارتفع سعر خام برنت بنسبة 4% على أساس ربع سنوي في ديسمبر، ليصل إلى 74.6 دولارا للبرميل، كما تم تداول الخام لفترة وجيزة فوق 80 دولارا للبرميل، في ظل تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، الأمر الذي وصل إلى حد المواجهة العسكرية المباشرة، وإن كان في نطاق محدود.
من جهة أخرى، ارتفع سعر خام التصدير الكويتي بنسبة 2% على أساس ربع سنوي لينهي تداولاته مغلقا عند 75.8 دولارا للبرميل.
وعلى أساس سنوي، واصلت أسعار النفط تراجعها للعام الثاني على التوالي في 2024، إذ انخفض سعر خام برنت بنسبة 3.1%، بينما تراجع سعر خام التصدير الكويتي بنسبة 4.8%، وسط مخاوف متزايدة بشأن نمو الطلب، خاصة في ظل تباطؤ النشاط الاقتصادي وتغير أنماط استهلاك النفط في الصين. كما اتسم العام الماضي بتراجع تقلبات الأسعار، إذ تم تداول خام برنت ضمن نطاق ضيق لم يتجاوز 22 دولارا للبرميل، ما يعكس غياب المحفزات الرئيسية وضعف التأثير المباشر للتطورات الجيوسياسية على السوق. وساهمت وفرة الطاقة الإنتاجية الفائضة عالميا، والناتجة عن تخفيضات إمدادات الأوبك وحلفائها، في الحد من تداعيات أي اضطرابات محتملة للعرض.
واستمرت العقود الآجلة لخام برنت في تسجيل ارتفاعات متواصلة مع بداية العام الجديد، إذ تجاوزت حاجز 80 دولارا للبرميل، مدفوعة بفرض الولايات المتحدة عقوبات موسعة على قطاع النفط والغاز الروسي. وأسفرت هذه العقوبات التي استهدفت مجموعة من الأطراف تشمل المنتجين، والناقلات، والوسطاء، والتجار، والموانئ، عن قيام بعض الموانئ الصينية بصورة مفاجئة بحظر سفن روسية خاضعة للعقوبات، مما دفع مشتري النفط الروسي في آسيا للبحث عن بدائل عاجلة. وفي هذا السياق، أثارت إمكانية تصعيد العقوبات ضد إيران من قبل إدارة ترامب المزيد من المخاوف بشأن الإمدادات المستقبلية في عام 2025.
وأخيرا، ساهمت موجات البرد القارس بأميركا الشمالية وأوروبا، في زيادة الطلب على زيت التدفئة، مما عزز ارتفاع الأسعار.
صناديق التحوط تدعم الرهانات الصعودية في الربع الرابع
بعد تحول مراكز المضاربة على عقود خام برنت إلى صافي بيع للمرة الأولى على الإطلاق في سبتمبر الماضي وسط مخاوف من تخمة المعروض، استعادت الأسواق زخمها الشرائي مع اقتراب نهاية عام 2024. وأظهرت بيانات بورصة السلع الدولية (ICE) أنه كما في الأسبوع المنتهي في 14 يناير 2025، وصل صافي مراكز المضاربة – الفارق بين عقود الشراء (التي تراهن على ارتفاع الأسعار) وعقود البيع على المكشوف (التي تراهن على انخفاضها) – إلى أعلى المستويات المسجلة منذ مايو 2024 (226.859 عقدا).
وفي المقابل، تراجعت أنشطة التداول، إذ انخفض عدد المراكز المفتوحة، الذي يشمل العقود الآجلة وعقود الخيارات، إلى 3.0 ملايين عقد في يناير، مقارنة بمستوى الذروة السنوي البالغ 3.3 ملايين عقد في أكتوبر 2024 وذلك في ظل ارتفاع المخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
وجاءت تقديرات نمو الطلب على النفط في الربع الرابع من عام 2024 أقوى مما كان متوقعا في السابق، مدفوعة بتراجع أسعار الوقود وموجة البرد التي عززت الاستهلاك في اقتصادات نصف الكرة الأرضية الشمالي. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، بلغ نمو الطلب السنوي على النفط خلال هذه الفترة 1.5 مليون برميل يوميا، مما دفعها إلى رفع تقديراتها الإجمالية لعام 2024 إلى 0.94 مليون برميل يوميا، مقارنة بتوقعاتها السابقة البالغة 0.85 مليون برميل يوميا.
وفي المقابل، أبقت الأوبك على تقديرها لنمو الطلب عند 1.5 مليون برميل يوميا لعام 2024، وفقا لتقريرها عن سوق النفط الصادر في يناير 2025، وذلك بعد خفض توقعاتها بمقدار 750 ألف برميل يوميا على مدار ستة أشهر متتالية.
وجاءت هذه التعديلات مدفوعة بأداء أقل من المتوقع لاستهلاك النفط في الصين، والذي شكل مفاجأة للأوبيك والعديد من المنظمات التي تتابع أسواق النفط. وتشير أحدث البيانات الرسمية إلى أن واردات الصين من النفط الخام تراجعت بنسبة 1.9% في عام 2024، في أول انخفاض سنوي غير مرتبط بالجائحة منذ عقدين. وتأثر الطلب على وقود النقل بصفة خاصة في ظل تزايد انتشار السيارات الكهربائية واعتماد الغاز الطبيعي المسال بديلا للنفط في مركبات النقل الثقيل.
وبالنسبة للعام 2025، تتوقع وكالة الطاقة الدولية ارتفاع نمو الطلب على النفط هامشيا إلى 1.05 مليون برميل يوميا، مدعوما بتحسن توقعات الاقتصاد الكلي. ويتسق هذا التوقع مع التحديث الصادر عن صندوق النقد الدولي في يناير، الذي رفع توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى 3.3% للعام الحالي.
ومن جانبها، تتوقع الأوبيك نمو الطلب على النفط بمقدار 1.45 مليون برميل يوميا هذا العام، ما يضع تقديراتها مرة أخرى في النطاق الأكثر تفاؤلا مقارنة بالمؤسسات الأخرى. وتتفق كل من الأوبيك ووكالة الطاقة الدولية على أن الاقتصادات غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستبقى المحرك الرئيسي لنمو الطلب على النفط، مع استمرار ارتفاع استهلاك وقود النقل في الصين والهند وآسيا على نطاق أوسع، وفقا لتقديرات الأوبك.
ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه في عام 2026، إذ تتوقع الأوبيك مرة أخرى نموا قويا للطلب العالمي على النفط في عام 2026 (بزيادة قدرها + 1.4 مليون برميل يوميا على أساس سنوي) تشكل الاقتصادات غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الحصة الأكبر منها بمقدار 1.3 مليون برميل يوميا.