- لماذا لم تستغرق الانتفاضة الليبية السلمية سوى أيام معدودة وسرعان ما تحولت الى مواجهات عسكرية؟
- ما السبب الذي منع «الأطلسي» من استغلال الصدمة ومهاجمة القذافي بسرعة كما فعلت الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وأسقطت النظامين في أسابيع قليلة؟
بعد اكثر من أربعة أشهر على اندلاع الثورة الليبية وتحولها الى حرب بين جيش الكتائب الأمنية التابعة لنظام القذافي وبين الثوار في الشرق وغارات حلف الاطلسي على المراكز العسكرية والقيادية للنظام، تتجه هذه الثوة الى ستاتيكو ينذر بتحول ليبيا الى صومال أخرى في شمال افريقيا.
فلايزال حلف الاطلسي حتى الآن يستبعد أي عملية برية لمهاجمة معقل القذافي في طرابلس والقضاء على نظامه كما جرى في العراق وافغانستان، ولا يبوح الأوروبيون ببديل عن أعمال القصف الجوي التي جرى التمديد لها لمدة ثلاثة أشهر أخرى، وتعقدت الأمور بالنسبة الى المجلس الانتقالي الذي أحيا آمال الليبيين وأنعشها ببناء دولة ديموقراطية حرة وتصاعدت شكواه من الأصدقاء، وطائرات حلف الأطلسي تخطئ في إصابة الأهداف وتصيب بدلا عنها مدنيين ليبيين وأحيانا عناصر من الثوار أنفسهم، وهذا ما يحرج المجلس الانتقالي امام الشعب الليبي، والدعم محدود اذا وجد، حتى ان احد أعضاء المجلس علي الترهوني صرح لوكالة رويترز بان المال بدأ ينفد من المعارضة واتهم الغرب بعدم الوفاء بتعهداته بتقديم مساعدة مالية عاجلة للمجلس، ومن المعروف كما قال عضو آخر في المجلس هو د.محمود شمام ان المجلس لم يتلق فلسا واحدا من المساعدات المالية وكل المساعدات العربية والغربية كانت عينية، وأضاف شمام ان القذافي افرغ البنوك في بنغازي والمناطق الشرقية من المال قبل سيطرة الثوار عليها، كما ان الولايات المتحدة وسويسرا وبعض الدول الأوروبية التي جمدت حسابات القذافي لم تقدم للمجلس شيئا من هذه الأموال خلافا لما أشيع عند تجميدها خصوصا ان هذه الأموال لم يجنها القذافي وعائلته من تجارة وأعمال بل هي أموال الشعب الليبي، اما التمويل الجاري حتى الآن فهو تبرعات من مواطنين ليبيين يعيشون في المهجر القسري جراء إبعادهم او ابتعادهم لأسباب سياسية، ولقد وفر هؤلاء الغذاء والدواء والرواتب للأسر الفقيرة ورواتب الموظفين في المناطق المحررة ومخصصات للمطلقات والأرامل ومساعدات اجتماعية.
تشير معلومات المجلس الانتقالي ان الأموال الليبية المجمدة في الخارج تتراوح ما بين 140 و180 مليار دولار وطلب المجلس من الدول التي جمدت هذه الأموال عدم تسليمها إلا الى حكومة منتخبة ديموقراطيا ولهذا اقترح المجلس الحصول على قروض بضمان المبالغ المجمدة من اجل الانفاق على الثورة، كما طلب آلية دولية من اجل تمويل الثورة لكن حتى تاريخه لم يصل فلس واحد.
من أنتم؟
عندما اندلعت التظاهرات في المدن الليبية وعمت جميع أنحاء البلاد خرج القذافي الى العلن وسأل على شاشة التلفزيون: من انتم؟ يجيب العضو في المجلس الانتقالي د.محمود شمام بان المتظاهرين هم ابناء الشعب الليبي الذين يعيشون منذ 42 عاما تحت سلطة القذافي في بلد لا يوجد فيه مؤسسات دولة ولا مؤسسات مجتمع مدني، بلد لا يوجد فيه دولة وشعار «الشعب يريد تغيير النظام» لا يمكن استخدامه لأنه لا يوجد نظام حتى يسقط، لا شرطة ولا جيش بالمعنى الحقيقي. هناك كتائب أمنية لحماية النظام يقودها ابناء القذافي وهي مسلحة ومجهزة بأحدث العتاد، هي للدفاع وللأمن وللقضاء ولكل شيء، اما التشكيلات العسكرية والأركان فهي خاوية من اي مضمون وصلاحية وأسلحتها أصبحت خارج الخدمة وضباطها شاخوا وهم يزاولون العمل نفسه، لا توجد وزارة دفاع، هناك الشعب المسلح، باعتبار ان ليبيا جماهيرية يحكمها الشعب وهناك امناء بدلا من الوزراء والمديرين. القذافي حسب قوله ليس له منصب ولا وظيفة مما دفعه الى القول «لو كان عندي منصب او رئاسة لرميتها بوجوهكم». الشعب الليبي يثور على هذا الواقع المرير.
اما اعضاء المجلس الانتقالي فهم ليبيون يعرفهم الشعب الليبي جيدا ربما ليسوا معروفين خارج ليبيا مع ان بعضهم يحمل جنسيات أوروبية وأميركية. الثوار هم الشباب الليبي الطامح الى التغيير وهم منضوون في تشكيلات قتالية تستخدم الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ويستعملون سياراتهم لا أسلحة ثقيلة ولا أسلحة اجمالية ولا آليات قتال، والسبب: لا وقت للتدريب وإنشاء وحدات نظامية. يبلغ عدد قطع الأسلحة في بنغازي 22 ألف قطعة وسوف يشتري الثوار الأسلحة فور توافر الأموال. انهم ثوار وليسوا جيشا نظاميا. لقد حققوا امنا ذاتيا في المناطق المحررة وتشير المعلومات الى ان عدد الجرائم في بنغازي اقل بكثير من تلك التي تحصل في مدن أخرى مثل القاهرة وبيروت والجزائر وغيرها. يقول أعضاء المجلس الانتقالي انهم ليس لديهم طموح سياسي واتفقوا على الا يكون احد منهم جزءا من العملية السياسية في النظام الجديد لمدة 4 سنوات، اتفقوا على إجراء انتخابات حرة حسب الكثافة السكانية وإنشاء مؤتمر تأسيسي واعداد دستور يطرح على الاستفتاء الشعبي ثم انتخاب مجلس نواب ورئيس، كما تم الاتفاق على الا تتجاوز المرحلة الانتقالية 8 أشهر ومحاولة تضييقها قدر الإمكان ويؤكد المجلس الانتقالي انهم لا يعشقون الدماء وانهم منفتحون تجاه أي حل سلمي يحقق أهدافهم.
المعارك العسكرية
لماذا لم تستغرق الانتفاضة السلمية سوى أيام معدودة وسرعان ما تحولت الى مواجهات عسكرية؟ يقول احد أعضاء المجلس الانتقالي ان الانتفاضة السلمية عمت أنحاء ليبيا بسرعة وتخوف النظام من السقوط السريع وردت الكتائب الأمنية بسرعة وقوة وقسوة على الجماهير المنتفضة واعادت السيطرة على مدن عديدة كان الثوار قد بسطوا سيطرتهم عليها سلما واجبروا الثوار على اللجوء الى السلاح من اجل الحفاظ على المكتسبات والدفاع عن المناطق المحررة والهجوم باتجاه مناطق سيطرة الكتائب الأمنية متسلحين بايمانهم وعدالة قضيتهم والتفاف الشعب الليبي حولهم طلبا للخلاص.
القتال الحالي ليس قتالا تقليديا بين جيشين بل بين الكتائب الأمنية لنظام القذافي وبين مواطنين يستخدمون ما تيسر لديهم من أسلحة. عندما شن القذافي هجوما معاكسا واستعاد معظم المناطق ووصل الى مسافة بضعة كيلومترات عن بنغازي تدخلت الولايات المتحدة على الفور بناء على طلب من جامعة الدول العربية وقرار من الأمم المتحدة لحماية المدنيين من بطش قوات القذافي حيث شنت الطائرات الأميركية هجمات على قوات القذافي وأجبرتها على التراجع عن بنغازي ثم استلمت مهمة القصف الجوي طائرات حلف الاطلسي التي مازالت تلاحق قوات القذافي بالقصف وضربت مركز تواجد القذافي المفترض في باب العزيزية في طرابلس ويشير الدكتور محمود شمام الى ان هناك سكوتا عربيا وإسلاميا ودوليا على غارات حلف الاطلسي رغم ان الثوار ليسوا هم من طلب تدخل قوات الاطلسي، ويلاحظ اننا لم نشهد اعتراضات رسمية ولا تظاهرات شعبية ضد هذا التدخل ويعتبر شمام ان هذا السكوت هو علامة رضا على تدخل حلف الاطلسي ضد النظام الليبي ويرى ان كل ثورة لها طبيعة خاصة ولا تقاس الثورات بالمقياس نفسه وليبيا لها ظروف وطبيعة خاصة لان النظام الليبي له طبيعة خاصة وعجيبة، مدينة مصراتة الثانية بعدد السكان ما تزال تحت سيطرة الثوار وفي الجبل الغربي الذي تعيش فيه غالبية امازيغية كل البلدات والقرى تقاتل النظام وانضمت الى الثورة كما انضمت المنطقة الغربية بكاملها وجبل الزاوية وهو خاصرة طرابلس الى الثورة.
ويتهم المجلس الانتقالي قوات القذافي بضم مرتزقة أجانب موريتانيين وافارقة وطيارين تشاديين اليهم، وفي حال عدم توصل غارات الاطلسي الى حسم الوضع يبدو المجلس الانتقالي واثقا من النصر مهما بلغت التضحيات وسوف يقاتل المواطنون بكل الوسائل المتوافرة لديهم.
الدول المجاورة
يبدي المجلس الانتقالي امتعاضا من الجزائر فهو يبرئ الحكومة والشعب من التدخل لصالح القذافي ويتحدث عن جماعات جزائرية تتولى تقديم التموين ونقل المرتزقة الى طرابلس لدعم القذافي وكانت تشاد ايضا تقوم بالعمل نفسه لصالح النظام لكن الثوار الذين سيطروا على سبها اجروا اتصالا مع تشاد وحسب قول محمود شمام فان الحدود التشادية لم تعد مصدر خطر على الثوار. اما مصر وتونس فلا يبدو الانحياز الى الثوار واضحا وان الدولتين مازالتا في مرحلة النهوض من الوضع السابق ولم تكتمل فيهما معالم الأنظمة الجديدة.
ولا شك ان وقوع معظم المنطقة الشرقية تحت سيطرة الثوار يحول دون وصول مساعدات مصرية الى القذافي لكن الوضع مختلف على الجانب التونسي حيث الموقف غير واضح ومازالت علاقات القذافي الافريقية قائمة مع العديد من دول القارة وزاره في خضم المعارك والقصف الأطلسي رئيس جنوب افريقيا والتقى به حاملا مبادرة لم يكن لها حظ في الانطلاق ولا في النجاح.
وحدد المجلس الانتقالي القذافي وعائلته وقلة قليلة من المحيطين به اهدافا لهم ويقبل ان يكون جميع الأطراف جزءا من العملية السياسية شرط الا تكون ايديهم ملطخة بدماء الليبيين، وهناك عدد كبير من الليبيين عملوا في مؤسسات النظام وهم مرحب بهم، وقد تعامل المجلس مع جميع المبادرات التي تلبي تطلعات الشعب الليبي وهناك مسؤول في المكتب التنظيمي يجري اتصالات لإخراج القذافي. مطالب المجلس ان يرحل القذافي وعائلته عن ليبيا او ان يحدد مكان إقامته فيها على ان لا يكون له ولا لأفراد عائلته أي دور في النظام الجديد. المجلس مستعد لأي حل سلمي ولا يريد ثمنا باهظا. يعطي المجلس مثلا عن ليبيا الجديدة، هناك 82 مطبوعة يومية في بنغازي وهناك منظمات مجتمع مدني ونشاطات فكرية ومؤتمرات وتشارك المرأة الليبية فيجميع النشاطات بحرية ولم يصغ الليبيون الى (الحوش الجواني). القبيلة ينظر اليها كنسيج اجتماعي وليس نظاما قائما وكان لها دور مشرف في محاربة الاستعمار لمدة 40 عاما.ليبيا قبل القذافي كانت مجتمعا تعدديا و99% من السكان مسلمون مالكيون وكانت هناك أقلية مسيحية وأخرى يهودية غادرت البلاد في عهد القذافي واعطاها الدستور حق التمثيل في السلطة. سوف يكون دستور 1951 احد المرجعيات التي يستند اليها المجلس من اجل اعداد الدستور الجديد. يقول محمود شمام انه لا وجود للقاعدة في ليبيا وانه تم إلقاء القبض على 14 شخصا فقط بشبهة الانتماء الى القاعدة. اما الإسلاميون فهم موجودون وجزء من الثورة ويؤمنون بالعملية الديموقراطية ولا داعي للخشية منهم.
لقد حصل المجلس الانتقالي على شرعية الشعب وعلى اعتراف أوروبي وأميركي وروسي وصيني وعربي وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي وهناك تحفظ على مواقف مصر وتونس والجزائر.
القذافي يواجه العالم
على جانب آخر يقف معمر القذافي وحيدا وعائلته وهو يواجه العالم بأسره. في بدايات الثورة وخصوصا المرحلة السلمية منها لم نجد دولة او شعبا او هيئة غير حكومية تؤيده. انشقاقات في الحكومة والجيش والسلك الديبلوماسي وانهيارات في قطاعات عديدة.تغير الوضع عندما بدأت المعارك العسكرية وتغير أكثر عندما شنت الولايات المتحدة غارات جوية على مواقع القذافي ثم أوكلت الى حلف الاطلسي متابعة هذه الغارات التي مازالت تنفذ يوميا. نشرت مجلة فورين بوليسي في 25 يونيو 2011 تصريحا للاميرال سامويل لوكلير قائد القيادة الاطلسية المشتركة في نابولي ـ ايطاليا نقله عنه عضو الكونغرس مايك تورنر عضو لجنة القوات المسلحة جاء فيه «ان حلف الاطلسي يهدف الى قتل القذافي» وهذا ما زاد من التعاطف حول الزعيم الليبي. ارتفع خطاب القذافي بارتفاع شأن اعدائه فصار يواجه عدوانا غربيا صليبيا بعدما كان يواجه الشعب الليبي. أحسن القذافي استغلال أخطاء الطيران الاطلسي التي تسببت في سقوط ضحايا مدنيين وأثارت سخط الشعب الليبي وأحرجت الثوار والمجلس الانتقالي فاستغلها من اجل التحريض على الثوار وتعبئة الجماهير ضد التدخل الاطلسي. اسهم التردد الأوروبي في رفع معنويات القذافي وخصوصا مواقف ألمانيا التي امتنعت عن المشاركة في العملية العسكرية كما ان معارضة روسيا للتدخل العسكري بدت واضحة. انتقدت روسيا حلف الاطلسي لأنه خرج عن التفويض الذي منحه قرار مجلس الأمن لحماية المدنيين وتحول الى شن حرب حقيقية وتحدث الروس عن وساطة بين القذافي والثوار وهو الأمر الذي يرفضه الثوار ويصرون على رحيل القذافي. كما أسهمت زيارة رئيس جنوب افريقيا الى ليبيا ولقاؤه القذافي في رفع معنوياته مما حداه على ان يظهر على شاشات التلفزيون وهو يلعب الشطرنج موحيا انه مرتاح البال ولا يأبه كثيرا لما يجري!
ان معارضة الكونغرس الأميركي لاشتراك الولايات المتحدة في الحرب على ليبيا واضحة ومن السخرية ان القذافي أشاد بأعضاء الكونغرس وشكرهم على موقفهم الرافض للحرب. وقد وجه المشرعون الأميركيون في 24 يونيو الجاري ضربة رمزية الى الرئيس باراك أوباما، بعدما رفض مجلس النواب مشروع قرار يجيز تدخلا عسكريا للولايات المتحدة في ليبيا ورفض المجلس، الذي يشكل فيه الجمهوريون الغالبية، المشروع بغالبية 295 صوتا مقابل 123 صوتا في التصويت الذي اجري في 24 يونيو 2011.
وعلى الصعيد العربي والإسلامي مازالت مواقف مصر وتونس والجزائر وهي دول لها حدود مع ليبيا تؤرق الثوار وتدغدغ مشاعر القذافي وتحيي آماله في النجاة من الانتفاضة الشعبية. لقد خفت صوت الشيخ يوسف القرضاوي الذي أفتى بجواز قتل القذافي ولم يسمع له رأي بعد تدخل الاطلسي. إيران التي كانت متحمسة لرحيل القذافي في اوائل الثورة لم تستطع الاستمرار في هذا الحماس مع ضربات حلف الاطلسي فخففت من حملتها الإعلامية على نظام القذافي ووقفت ضد عمليات القصف الجوي التي تنفذها طائرات الاطلسي.
إلى أين؟
يواجه الشعب الليبي لحظات حاسمة في تاريخه تحدد الاتجاه الذي تسلكه الأوضاع السياسية في البلاد واذا كان ربيع تونس وربيع مصر سريعين وأطاحا بالنظامين القائمين في البلدين فان ربيع ليبيا تعقد وتدول وشهد حربا داخلية وتدخلا عسكريا للحلف الاطلسي ولم يحسم الوضع بعد ويتفق جميع المحللين والباحثين على ان الاستمرار بالوضع الحالي لم يعد محتملا، لا دولة ولا مؤسسات ولا حريات ولا شفافية مالية ولا مساءلة ولا محاسبة ولا قضاء ولا قانون ولا منظمات مجتمع مدني ويجب الوصول بالبلاد الى حل يسمح بانطلاق دولة ديموقراطية عصرية بالاستفادة من طاقات الليبيين في الخارج وهي كبيرة ومقتدرة في جميع النواحي. لقد ضاق الطوق العربي والدولي حول القذافي، انما السؤال هو عن مدى جدية الغرب في الالتزام ببناء ليبيا ديموقراطية حرة. فالغرب كان صديقا في مراحل عديدة مع القذافي والعلاقة بين رئيس وزراء ايطاليا بيرلسكوني والقذافي ليست سرا وقد كانت قوية ومتينة وتجلت بزيارات ولقاءات بينهما وكذلك الأمر مع الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي اتهم القذافي بتمويل حملته الانتخابية وتبادل الزيارات واللقاءات مع الزعيم الليبي، ولا ننسى ان سيف الاسلام القذافي كان نجما اوروبيا ينظر اليه على انه «اصلاحي وواعد». يدرك الغرب وتحديدا أوروبا ان القصف الجوي للقذافي بهذه الوتيرة غير الحاسمة يفيد القذافي ويضر بصورة الثوار ويظهرهم بانهم يتعاونون مع الأجنبي «المستعمر» ضد أبناء جلدتهم ويثيرون سخط الشعب الليبي ضد المجلس الانتقالي للثورة واذا كان المجلس الانتقالي بحاجة الى علاقات عامة ودعم أوروبي فلماذا تكون الطريق عبر برنار ـ هنري ليفي الفرنسي الصهيوني؟ ومن يحتمل مواقف ليفي لاسيما قوله عن النقاب انه «دعوة الى الاغتصاب» وإظهار إعجابه بالجيش الإسرائيلي حيث نقل عنه انه قال في مؤتمر الديموقراطية وتحدياتها الذي عقد في تل ابيب عام 2010: «لم أر في حياتي جيشا ديموقراطيا مثل الجيش الإسرائيلي». ان ظهور المجلس مع ليفي اثار تساؤلات من عدد كبير من مؤيديه ومن الثوار حول الطريق الذي يرسمه ليفي لهم. لماذا انزلق الثوار بسرعة في الحرب مع كتائب القذافي مع انهم كانوا غير مستعدين لها ولماذا يطيل الاطلسي عملياته العسكرية غير الحاسمة؟ يتساءل العديد عن السبب الذي منع الاطلسي من استغلال الصدمة ومهاجمة القذافي بسرعة كما فعلت الولايات المتحدة في افغانستان والعراق واسقطت النظامين في أسابيع قليلة. لقد أصبح الانزال على البر الليبي صعبا لكنه ليس مستحيلا ويمكن تنفيذه لكنه مكلف حتما. كل تأخير بالحسم يستفيد منه القذافي ويؤدي الى خلق امر واقع تتعايش فيه كل القوى من القذافي الى المجلس الانتقالي وجميع فئات الشعب الليبي فهذا التأخير يؤدي بالبلاد نحو الصوملة وبئس المصير، لكن في المقابل يظهر الثوار شجاعة وتصميما على تحقيق اهدافهم، إلا ان قرار المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية اوكامبو بتوقيف القذافي ونجله سيف الإسلام ورئيس مخابراته عبدالله السنوسي عقد الأمور وسوف يدفع القذافي للاستماتة في الدفاع عن نظامه فيما كان الثوار يرضون بإبعاده وأسرته عن البلاد او البقاء داخلها وفق شروط ابرزها الا يكون له أي علاقة بالسلطة الجديدة ولايزال المقصد النهائي للثورة الليبية غير واضح.
بقلم: إلياس فرحات عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني