سنحاول عبر سلسلة من المقالات إيجاز بدايات ممارسة الطب الحديث (النظامي) في الكويت منذ مطلع القرن الماضي في إطار التمهيد لفهم كيف شكلت تلك البدايات والمراحل مسار وواقع العمل الصحي في الكويت بعد الاستقلال وبناء الدولة الحديثة).
قبل قرن من الزمان اعتاد أهل الكويت وسكان الجزيرة والخليج في علاجهم للأمراض على تجارب المجربين وما اصطلح عليه بالطب الشعبي أو طب الأعشاب، وظلوا على هذا النهج من التطبيب حتى أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين حينما أدخل الأطباء البريطانيون والمبشرون الأميركيون مفهوم الطب الحديث في ممارسة مهن الطب وعلاج الأمراض.
ففي عام 1904 م ومع بداية إقامة المعتمد البريطاني الأول الكولونيل نوكس بالكويت تقدم الشيخ مبارك الصباح بطلب للمعتمد للنظر في تعيين طبيب للقيام بتقديم خدماته الطبية له ولرعيته، ويكون له اطلاع بالحكمة (الطب) والجروح والعلل وبما هو نافع له ولرعيته. وبالفعل تم افتتاح العيادة في دار الاعتماد في الثلاثين من أكتوبر عام 1904م، وأشرف على العمل بالمستوصف طبيب انتدب من الهند «حيث كانت الهند تحت الانتداب البريطاني» اسمه داود الرحمن ويعاونه مساعد. وقد قدم المستوصف خدماته لأعضاء دار الاعتماد ولسكان الكويت حيث كان العلاج مجانا لكل وافد على المستوصف في ذلك الحين.
خلال تلك الفترة كانت مهمة الطبيب بالإضافة إلى عمله بالمستوصف هي الإشراف على الحجر الصحي ومراقبة السفن القادمة لميناء الكويت وتطبيق إجراءات الحجر الصحي حال ظهور أوبئة بالمنطقة حيث كان لتلك الإجراءات دور فاعل في تجنيب الكويت الكثير من الأوبئة والأمراض المعدية في تلك الحقبة من الزمن.
كتب د.داود الرحمن في أبريل عام 1905 تقريرا صحيا عن الكويت هو الأول من نوعه. وثق فيه أنماط الأمراض الشائعة آنذاك كالأمراض المعدية والمعوية والعيون وأسباب الوفيات كما ضمن التقرير أعداد المراجعين والعمليات الجراحية خلال العام ووضع الحجر الصحي والأوبئة المرصودة في تلك الفترة.
رسم ذلك التقرير صورة الأحوال الصحية في الكويت في بدايات القرن الماضي حيث استمر توثيق أطباء دار الاعتماد للأحوال الصحية في الكويت سنويا، وذلك من خلال تقارير كتبوها (من عام 1905 حتى 1951) وقد قام مركز البحوث والدراسات الكويتية بترجمة تلك التقارير ونشرها في كتاب تاريخ الخدمات الصحية في الكويت عام 1996. (يتبع)
[email protected]