اذا كان الاسلام لا ينهي عن البر والإقساط الى مخالفيه من أي دين ولو كانوا مشركين، كمشركي العرب فإن الاسلام ينظر نظرة خاصة لأهل الكتاب سواء كانوا في دار الاسلام ام خارجها، والذي يتصفح التاريخ الاسلامي يجد كثيرا من الضمانات المصونة لهم وحرياتهم المكفولة وحول حقوق غير المسلمين نتعرف على آراء العلماء.
في البداية يوضح رئيس مجلس ادارة جمعية احياء التراث الاسلامي طارق العيسى ان الدين الاسلامي جاء رحمة للناس جميعا كما في قول الله عز وجل: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وفي قوله سبحانه: (هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون).
وقال العيسى: من هذا الأصل ينبع الموقف تجاه غير المسلمين في بلادنا، فالإسلام دين عالمي، ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أرسل للعالمين جميعا، وعلى خلاف ما يعتقده كثير من الغربيين واعداء الاسلام فليس هناك دين او شريعة على ظهر الارض قررت الحقوق الكاملة للناس بمختلف مللهم مسلمين وغير مسلمين كما فعل الاسلام.
التعدي على غير المسلمين
واضاف من المشاكل التي نراها اليوم التعدي على غير المسلمين من معاهدين ومستأمنين في بلاد الاسلام، وهم اما المواطنون من «أهل الذمة» أهل العهد والأمان، اي ان عهدهم وأمانهم على وجه التأبيد. والقسم الثاني: المستأمنون «المعاهدون» وهم غير المسلمين من الوافدين الى بلاد المسلمين للعمل ونحوه.
حقوق نص عليها القرآن
وحول الحقوق العامة لغير المسلمين فصل الداعية العيسى ذلك فبدأ أولا بحقهم في حفظ كرامتهم، قال الله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر) ومن حقهم ايضا مجادلتهم بالتي هي أحسن لقوله تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون).
وزاد: كما يجب عدم تسفيه معتقداتهم وكتبهم، فقد نهى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ان نكذب كتب أهل الكتاب بقوله: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا وإليكم».
وايضا نهانا الله عن سب آلهتهم، فقال: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم، كذلك زينا لكل أمة عملهم).
واستشهد الداعية العيسى بما فعله الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عندما قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم، فمرت جنازة، فقام فقيل: انها جنازة يهودي، فقال: أليست نفسا».
حرية المعتقد
وذكرّ العيسى بحقهم في حرية المعتقد وقال: ان هذا مأخوذ من الآية العظيمة في قوله عز وجل: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم) «البقرة: 256».
وصية أبو بكر ( رضي الله عنه )
ومازال الداعية العيسى يحدثنا عن حقوق غير المسلمين فيذكرنا بوصية ابو بكر الصديق ويقول: مما اثار عجبي ما وصى به الخليفة الصديق ( رضي الله عنه ) اسامة بن زيد: «اني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا تقطع شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا الا لأكله، ولا تغرقن نخلا، ولا تحرقنه، ولا تغلوا ولا تجبنوا، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له»، وهذه لاشك قواعد مهمة وميثاق حقوق وضعه الخليفة الراشد لينظم العلاقة بين المسلم وغيره ويضع ضوابط لما يجوز وما لا يجوز للمسلم فعله تجاه غير المسلم.
العهدة العمرية
ثم تطرق العيسى لعهد عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) الى اهل ايلياء «القدس» والمسماة «العهدة العمرية»، موضحا انه اعطاهم امانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، وان لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم ولا ينتقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار احد منهم ولا يسكن بإيلياء معهم احد من اليهود، وقد كان هذا العهد من أعظم وأشهر العهود والمواثيق على مر التاريخ ولاتزال هذه العهدة محفوظة حتى الآن.
وتابع العيسى: وقد حافظ المسلمون على كنائس النصارى الذين كانوا يؤدون عباداتهم ويقيمون شعائرهم في حرية وأمان. كما أعفاهم الاسلام من دفع الزكاة واستبدلت بالجزية ولم يفرض عليهم الجهاد مع المسلمين الا من اختار منهم ذلك، كذلك فإن الحدود لا تقام عليهم الا فيما يعتقدون تحريمه كالسرقة والزنى ولا فيما يعتقدون حله كشرب الخمر والخنزير، كما أقر الشرع ان تقام لهم محاكم خاصة يحتكمون اليها ان شاءوا والا لجأوا الى القضاء الاسلامي (فإن جاءوك فاحكم بينهم او اعرض عنهم وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين).
واكد العيسى حقهم في العدل في الحكم والمعاملة لأن الاسلام دين العدل، كما لهم الحق في حفظ دمائهم واموالهم واعراضهم قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) «من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد على مسيرة اربعين عاما».
كما يتبع ذلك حقهم في المعاملة الحسنة والأمثلة كثيرة جدا في سيرة الرسول وصحابته مع أهل الكتاب، بالاضافة الى حقهم في التكافل الاجتماعي وكفالة العاجزين عن الكسب فينفق عليهم من بيت المال على المسلم وغير المسلم.
أمثلة من حياة الرسول ( صلى الله عليه وسلم )
وعن حكم الاستعانة بغير المسلمين في البلاد الاسلامية يقول الداعية احمد الكوس: حكم ذلك معروف عند اهل العلم والأدلة فيه كثيرة والصواب ما تضمنه قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية انه يجوز الاستعانة بغير المسلمين للضرورة اذا دعت الى ذلك لرد العدو الغاشم والقضاء عليه وحماية البلاد من شر اذا كانت القوة المسلمة لا تكفي لردعه جاز الاستعانة بمن يظن فيهم انهم يعتبون ويساعدون على كف شره وردع عدوانه سواء كان المستعان به يهوديا او نصرانيا او وثنيا او غير ذلك اذا رأت الدولة الاسلامية ان عنده نجدة ومساعدة لصد عدوان العدو المشترك.
واستشهد الكوس بما فعله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عندما استعان بمطعم بن عدي لما رجع من الطائف وخاف من أهل مكة بعد موت عمه ابي طالب فاستجار بغيره فلم يستجيبوا فاستجار بالمطعم وهو من كبارهم في الكفر وحماه لما دعت الضرورة الى ذلك وكان يعرض نفسه ( صلى الله عليه وسلم ) على المشركين في منازلهم حتى يطلب منهم ان يجيروه حتى يبلغ رسالة ربه عليه الصلاة والسلام على تنوع كفرهم، واستعان بعبدالله بن أريقط في سفره وهجرته الى المدينة -وهو كافر- لما عرف انه صالح لهذا الشيء وان لا خطر منه في الدلالة وقال يوم بدر: «لا أستعين بمشرك» ولم يقل لا تستعينوا بل قال: «لا أستعين» لأنه ذلك الوقت غير محتاج لهم وكان ذلك من اسباب هداية الذي رده حتى أسلم.
باستثناء المعادين للإسلام
ويلتقط طرف الحديث الداعية خالد السلطان ليذكرنا بيوم الفتح حيث استعان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بدروع من صفوان بن أمية وكان على دين قومه، واستعانته ( صلى الله عليه وسلم ) باليهود في خيبر حتى يقوموا على نخيلها وزروعها بالنصف للمسلمين والنصف لهم وهم يهود لما رأى المصلحة في ذلك فاستعان بهم لذلك وأقرهم في خيبر حتى تفرغ المسلمون لأموالهم في خيبر في عهد عمر فأجلاهم عمر ( رضي الله عنه ).
واشار السلطان الى ان القرآن يناديهم بأهل الكتاب (يا أيها الذين أوتوا الكتاب)، فهم في الاصل أهل دين سماوي، وبينهم وبين المسلمين رحم وقربى (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) «الشورى: 13» وهذا يتمثل في اصول الدين الواحد الذي بعث الله به انبياءه جميعا.
وشدد السلطان على عدم مناصرة المعادين للاســــلام منهم والمحاربين للمسلمين فلا تحل للمسلم حيــــنذاك مناصرتهم ومظاهرتهم قال تعالى: (يا أيها الذين آمــــنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات ان كنتم تعقلون، ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم). «آل عمران: 118-119».
صفحات الإيمان في ملف ( pdf )